Sunday, December 27, 2009

الوفاة وما يتبعها من عادات في جنين

الوفاة وما يتبعها من عادات في جنين

لتحميل النص اضغط هنا

1900-1974

علي الجرباوي

المفاهيم الشعبية لأسباب الوفاة

منذ مطلع هذا القرن وحتى يومنا هذا تغيرت مفاهيم الناس للأسباب المؤدية للوفاة، ففي مطلع هذا القرن أيام الحكم العثماني كانت الأمراض المعروفة في هذه المنطقة قليلة جدا كما أن الأطباء والأدوية الحديثة لم تكن متوفرة و كان التداوي بالأعشاب وأساليب الطب العربي الأخرى هو المنتشر. كان الناس في ذلك الوقت يطلقون أسماء خاصة على الأمراض وهي أسماء عامة وشاملة فقد كانوا يقولون "مات فلان بنزلة صدرية" وقد كانت النزلة الصدرية دليلة على كل مرض داخلي. كانوا في ذلك الوقت يعرفون الأورام و كانوا يستطيعون التفريق بين ما هو خبيث وما هو بسيط فكانوا يقولون "فلان مات لأنه مصاب بالخنزيرة" حيث كانوا يطلقون هذا الاسم على الأورام التي كانت تتكاثر، أما النوع الأخر فكانوا يقولون عنها "فلان رقبته كلها خلند" وكانوا يقصدون بالخلند الأورام التي لا تتكاثر. كان هناك مرض مميت و أعراضه فتحة في الظهر ينزل منها الأوساخ فكانوا يقولون "فلان طلع في ظهره ضواية ومات منها" وتحليل كبار السن في المنطقة عن هذا المرض هو أن الضواية هي السرطان في وقتنا الحاضر الوفاة المفاجأة مع أن حدوثها كان قليلا في ذلك الوقت كان لها الأخرى نصيب عندهم حيث كانوا يقولون عن أي شخص يموت موتا فجائيا أنه "مات سكتة قلبية". في بعض الأحيان كانوا يقولون "فلان مات من نقطة في قلبه أو دماغه" وهم يعنون بذلك تجلط الدم "ما يسمى بالجلطة في وقتنا الحاضر".

بالنسبة للنساء اللواتي كن يتوفين و هن حوامل أو أثناء الولادة أو بعدها كان الناس يقولون "ماتت فلانة و هي نفاس" حيث كانوا يعتقدون أن الوفاة لابد وأن تكون ناتجة عن الحمل وتوابعه. لقد استرعت الأدوية اهتمام الناس باعتبارها أسبابا تؤدي و كانت تسمى "بالوقع" حيث كانوا يعرفون الحصبة و الجدري اللذين يصيبا الأطفال و كذلك الملاريا و السل الذي كانوا يسمونه السخونة أو المرض العاطل. كانوا يعرفون التيفوس و أنه يسبب الوفاة و لكنهم كانوا يسمونه "ضربة شمس" حيث كانوا يقولون "الوقع طب في البلد وكل يوم حوالي سبعة أو ثمانية يموتون".

أما عن علاقة الدين بالوفاة فهي وثيقة وذلك لارتباط الناس الشديد بالين فقد كانوا يقولون عن الذي يموت وهو في عنفوان الصحة و القوة "مات موتة ربه" وكانوا لا يناقشون في ذلك لأن هذه إرادة الله. والاعتقاد بالحسد و الإصابة بالعين كان شائع بكثرة إذ كانوا يعتقدون أن موت الفتى اليافع أو الشاب القوي الجميل لا بد وأن يكون ناتجا عن "إصابة العين"،وغالبا ما تتهم عجوز كبيرة السن بأنها هي التي حسدت المتوفى. وقد تلاشت هذه النقطة تدريجيا و نتيجة للاتصال السريع بأجزاء العالم الأخرى و الاختراعات العلمية الكثيرة مع أن جذورهما لا زالت موجودة حتى يومنا هذا.

و في الفترة ما بعد الحكم العثماني الذي بسط نفوذه على فلسطين بما في ذلك جنين –احتل الإنجليز هذه البلاد وبدأ وجود الأطباء العصريين و معرفة الأدوية ينتشر في تلك الفترة ومن هنا تغيرت مفاهيم الناس بالنسبة للأمراض و أسمائها أصبح الناس يعرفون الزائدة الدودية والمصران الأعور و يقولون بأن سبب وفاة ذلك شخص أو ذاك هو نتيجة التهابات بهما. أصبح في ذلك الوقت التفريق بين الأوبئة ممكنا كما أنهم أصبحوا يطلقون الأسماء العلمية على الأمراض الأخرى مع أن وجود الأسماء التقليدية لم تتلاشى كليا إذ لا يستعملونها حتى يومنا هذا للدلالة على اسم مرض لا يريدون ذكره لأنهم يتشاءمون من ذلك، ولذلك نراهم يطلقون على مرض السرطان اسم "المرض العاطل" أو"الخبيث" أو يقولون " فلان معه من ذلك المرض (السرطان). ومع تقدم الزمن تقدم العلم و أصبح الطب مادة منتشرة و الأطباء كثيرين و عم الوعي بين الناس و أصبحوا يعرفون الأمراض و أسمائها و ما هو بسيط منها و ما هو خطير. هذا بالنسبة للأسباب المؤدية للوفاة الطبيعية في نظر الناس مع مطلع هذا القرن حتى وقتنا الحاضر.

كيفية انتشار خبر الوفاة:

في بداية هذا القرن كانت جنين لا تزال قرية صغيرة يقطنها عدد قليل من "الحمايل"، فإذا ما مات أحد السكان – أكان ذلك ليلا أم نهارا- فإن أهل البلد يستطيعون تميز ذلك من خلال الأصوات العالية – الصراخ- من قبل أهل الميت حيث يقال دار فلان فيها صياح، روحوا يا أولاد شوفوا شو صار فيأتي الأولاد بالخبر بعد ذلك. يقوم أقرباء الميت المقربين بإخبار بقية الحامولة و في خلال ساعات قليلة يكون جميع من في البلد قد عرفوا الخبر، إذا أراد أهل الميت إخبار القرى المجاورة التي لها علاقة مع الميت كانوا يرسلون لهذا الغرض شخصا يسمى بالساعي أو الخيال. منذ القدم و حتى نهاية الأربعينيات من هذا القرن كان جميع أهل البلد يعطلون أعمالهم في ذلك اليوم –للاشتراك في مراسم الدفن و ما يتبع ذلك حتى و لو كان بينهم خصومات أو عداء مستحكم حيث تقولون "لا تصل الموت ما بتمش فيها حكي" (أي عندما تصل الموت لا يبقى فيها كلام). و في كثير من الأحيان تستغل الوفاة وكذلك الأفراح – كحالة يلم فيها شمل ذوي الخصومات حيث يتم الصلح بهذه المناسبة فترى الجميع يشتركون في المراسيم و بعدها تعود المياه إلى مجاريها الطبيعية بعد أن ينتشر الخبر كان الرجال يذهبون رأسا إلى بيت أحد الأقارب الميت وعموما كانوا يفضلون أن يكون هذا البيت قريبا على بيت الميت كانوا يجلسون هناك حيث توزع القهوة السادة – تعبيرا عن الحزن وإعلانا للحداد – وذلك بانتظار وقت الجنازة التي غالبا ما تكون بعد صلاة الظهر إلا في حالات خاصة ستذكر فيما بعد. أما النساء فكن يذهبن رأسا إلى بيت الميت حيث يجئن قريبات الميت ويشتركن جميعهن بالبكاء والعويل عليه.

بالنسبة لعلماء الدين فلهم مكانه خاصة وقد كان ولا يزال يعلن عن وفاة من له مكانة دينية مرموقة في البلد بواسطة الأذان –الدعوة إلى الصلاة- بدون أن يكون الوقت وقت صلاة، أما بالنسبة للزعماء وذوي المكانة العالية فيقرأ القرآن عبر مكبرات الصوت في المسجد دليلا على أن شخصا "له وزنه" قد توفي. أما في الوقت الحاضر فيعلن عن نبأ الوفاة في الإذاعة والصحف بالإضافة لما ذكرت سابقا.

ما قبل الدفن:

العادة المتوارثة في جنين منذ القديم أن الميت يجب أن يدفن في نفس اليوم الذي يموت فيه إن أمكن ذلك وهم بذلك يطبقون الشريعة الإسلامية إذ يقولون "إكرام الميت دفنه" وقد يؤجل الدفن لمدة يوم واحد على الأكثر في حالات خاصة كان يكون وقت الوفاة متأخرا كساعات ما بعد الظهيرة- مع أنهم في بعض الحالات يقومون بالدفن على أضواء المصابيح أو أن يكون للميت أقارب أعزاء في مكان بعيد فينتظر قدومهم لوداعه .

يسجى الميت في منزلة على أن يواجه القبلة و يكون رأسه لجهة الغرب و قدميه لجهة الشرق و ذلك بعد أن يجمع فكه الأسفل مع بقية رأسه بواسطة ربطة تسمى "وزرة" كما تربط رجلاه بنفس الطريقة وذلك بعد أن يقوم أحد الموجودين بتسبيل عيون الميت و ضم أصابع يديه و رجليه بحيث تكون بشكل طبيعي. بعد ذلك يغطى الميت بقطعة قماش غالبا ما تكون بيضاء و في العادة يكشف الغطاء عن وجهه حتى يكون باستطاعة من يدخل أن يلقي عليه نظرة أخيرة و في أثناء ذلك كله يقرأ القرآن في الغرفة التي يوجد فيها الميت.

يتفرق عدد من أقارب الميت في البلد وذلك للقيام بأعمال ضرورية فمنهم من يذهب إلى المقبرة مع عدد من العمال حيث يتم حفر القبر و إذا كان الميت قد أوصى بأن يدفن فوق إنسان آخر(1) فيهدم القبر الأول و يحفر مرة أخرى و يتم جمع العظام الموجودة فيه في مكان ما حتى وقت الدفن ولكن يراعى بأن يكون قد مضى مدة لا تقل عن عشر سنوات على الميت الأول حتى يمكنهم فتح قبره حتى يكون من المؤكد بأن جسمه قد بلي كليا. ومن الأقارب من يذهب لشراء لوازم غسيل الميت حيث لا يجوز استعمال أية أداة مستعملة من قبل فيتم شراء ليفه و إبريقين و صابونه وزجاجة عطر ومنشفة ويراعي أن يكون كل من هذه الأشياء طاهرا(2). يعهد إلى أحد الخياطين لتجهيز الكفن و يتم إحضار التابوت و الطاولة التي يغسل عليها الميت من المسجد إلى بيته. بعد انتشار خبر الوفاة تبدأ النساء بالوفود إلى بيت الميت حيث يجتمعن للنواح والبكاء عليه أما الرجال فيكونون مجتمعين في مكان أخر كما ذكر سابقا.

غسيل الميت و تجهيزه و تكفينه:

يغسل الميت حسب الشرع الإسلامي مع إضافة عادات متوارثة لم يحددها الشرع توضع الطاولة و يوضع عليها أوراق أشجار مثل الريس و الصنوبر و الليمون و يسجى الميت فوقها و تغطى العورة بقطعة قماش و بعد ذلك يبدأ "المغسل" بتغسيله. غسيل الميت في العادة يكون بطريقة أقسى من حمام الشخص العادي لأنه يجب أن يكون نظيفا عند ملاقاة ربه يقرأ أثناء العملية آيات من القرآن و بعد الانتهاء يرفع الميت و يقلب ثلاث مرات حيث يوضع رأسه بين فخدين و يضغط المغسل بيده على أسفل البطن و ذلك حتى يتم إنزال بقايا البول. بعد ذلك يسبع الميت ثم يجفف و يكفن بعد أن يرش العطر عليه. و في العادة يكون الكفن مؤلفا من:

1- الوزرة: وهي قطعة قماش تلف بها عورة الميت –تكون بشكل حفاظ-و يعتقد بأن الوزرة هي ما يتبقى على الإنسان في يوم الحشر.

2- ثوب الحق: وهو عبارة عن قطعة قماش لا تخاط بل يفتح بها فتحة يدخل منها الرأس و تبقى مثل دشداشة.

3- الكفن: وهو عبارة عن قطعة قماش تخاط بطريقة خاصة بحيث تخطي جسد الميت كله.

وفي الوقت الحاضر أصبح من المتعارف عليه إن يلبس الميت سروالا و قميصا داخليا بالإضافة إلى ما ذكر. وفي أثناء غسيل الميت يجب أن تكون جميع الأدوات و الأشخاص المشتركين بعملية الغسيل و التكفين طاهرة كما أن لا يسمح إلا للأقارب المقربين جدا للميت بحضور غسيله بالإضافة إلى "المغتسل".

ملاحظة:و في العادة يعطى المغسل بالإضافة إلى النقود ملابس الميت أو قسما منها أن توزع ملابس الميت على الفقراء بعد مماته.

بعد ذلك ينقل الميت إلى حيث كان قبل –الغسيل- مكان وجود النساء-ويغطى الميت بقطعة قماش، وإذا كان الميت ذكرا فيسمح للرجال و النساء المحرمات عليه بلمسه و تقبيله بعد غسله. أما إذا كان الميت أنثى فتجرى العملية (الغسيل والتكفين) نفسها بفارق أن الذي يقوم بالغسيل هي "المغسلة"، كما يسمح للنساء و الرجال المحرمين عليها بلمسها بعد الغسيل ولا يسمح لزوجها بذلك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)يستطيع الذكر أن يوصي بأن يدفن على أي قريب ذكر كما يستطيع أن يدفن على النساء المحرمات عليه فيما لو كان حيا و العكس صحيح.

(2)حسب الشريعة الإسلامية يجب أن يكون كل شيء مستعمل نظيفا وغير نجس وإذا شك في ذلك يتم تسبيع ذلك الشيء بأن يغسل سبع مرات يتم قراءة شيء من القرآن و التشهد خلالها. عملية الغسيل و التكفين تجرى لكل ميت أكان صغيرا أم كبيرا ذكرا أم أنثى وذلك تماشيا مع الشرع الإسلامي.

موكب الجنازة:

قبل موعد الأذان بحوالي ساعة يحضر الرجال من المكان الذي يكونون مجتمعين فيه و غالبا ما يكونون من أقارب المتوفى أنسبائه و أصدقائه و الجيران و يدخلون على بيته. وفي هذه اللحظات يرتفع صوت النساء بالعويل و الصراخ إذ يقوم من يريد من الرجال بتوديع الميت بإلقاء النظرة الأخيرة عليه وعندما يحاولون أخذه تتشبث النساء به حيث يلقين بأنفسهن عليه و يحضنه وفي أغلب الأحيان يضطر الرجال لتفريقهن و ذلك لأخذ الميت و خصوصا إذا ما كان شابا.

يوضع الميت في التابوت الصغير الذي يكون قد زود بفرشة من القطن و مخدة محشوة بالقطن أو بأوراق الليمون حيث تحضر هذه الأشياء مسبقا. وبعد ذلك يغطى التابوت "النعش" بغطاء و عادة ما يكون عبارة عن شرشف شامي أو سجادة مرسوم عليها رسومات دينية.

يحمل النعش ويسير الموكب بمجموعة قليلة في البداية ينضم إليها آخرون ممن يتواجدون على الطريق- أبواب المقاهي والدكاكين-، ومن الجدير بالذكر أن كل شخص يكون جالسا عند مرور موكب الجنازة يقف وإذا كان رأسه مغطى –لابس طربوش أو كوفية- فانه يخلعها وذلك إجلالا وتقديرا منه للموت وللجنازة. يسير الصبيان في هذا الموكب وحين يصل الجميع إلى المسجد يوضع النعش في الداخل حيث يبقى المصلون وينتظر من لا يصلي بالخارج يمكن لأي شخص أن يعرف أن هناك ميتا من وجود عدد من سعف النخيل (1)موضوعة على مدخل المسجد. ويكون أقارب الميت جهزوها لتحمل أمام موكب الجنازة. بعد انتهاء الصلاة العادية يصلى على الميت صلاة الجنازة وبعدها يبدأ موكب الجنازة الرسمي يكون الناس مجتمعين أمام المسجد عندما يخرج المصلون بالنعش ويسير الجميع يتقدمهم الصبيان الذين يحملون سعف النخيل. يتناوب المشيعين- وخصوصا أقارب الميت – على حمل النعش إذ يعتبرون ذلك يكسبهم الثواب العظيم فيقولون "آجر"(2) عندما يبدل أحدهم بالأخر.

يجب على أقارب الميت أن يكونوا حول نعشه ويقوموا بحمله، والميت الذي لا يكون له أقارب كثيرون يحمله أهل البلد ولكن يقال فلان نعشه بتروجح (يهتز) (كأنه ليس له أقارب) يردد المشيعين العبارات الدينية مثل "إنا لله وانأ إليه راجعون ""ولا حول ولا قوة إلا بالله" "لا اله إلا الله" ويزداد عددهم كلما مرت الجنازة في شارع إذ ينضم إليها البعض ممن يكونون فيه.

في الأيام القديمة وحتى منتصف هذا القرن تقريبا كانت النساء تخرج في موكب الجنازة حيث كن يسرن خلف الرجال بحوالي خمسين مترا، وبالنسبة لقريبات الميت فكن يخرجن حفاة ويحللن شعرهن إذا كان طويلا و مجدولا ويمزقن (يشققن) ثيابهن। مما يذكر على لسان كبار السن أنهم كانوا يقدمون ما يلبسون للنساء حتى "يستروا عليهن" كما أنهم كانوا يغطوهن ويذكروهن بالله حتى يكففن عن هذا العمل وفي حالات أخرى كانت النساء تسبق الرجال على المقبرة بحيث يجلسن في مكان بعيد ويقمن بعمل "حلقه" (3)يندبن فيها الميت حتى يتم دفنه ومن ثم يتقدمن من القبر بعد خروج الرجال من المقبرة لإكمال البكاء والنواح. ولكن عادة خروج النساء هذه انتهت منذ حوالي العشرين عاما ولم تعد أي واحدة تخرج في الجنازة.


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5476&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment