Sunday, December 27, 2009

الصورة الفلسطينية في وسائل الإعلام الكندية وأثرها السياسي

الصورة الفلسطينية في وسائل الإعلام الكندية وأثرها السياسي

بقلم: الدكتور اسماعيل زايد/ كندا

الإنسان هو صورة مركبة من ردات فعل مختلفة بعلاقاته مع الآخرين، وتتشكل ردات الفعل هذه من تداعي الصور والأفكار، كما أن هذه الأفكار عادة ما تقوم على ما نتصوره من انطباعات ثم نجسدها على أشكال مفرحة وغير مفرحة بنسب مختلفة معتمدين في ذلك على استقرار هذه الأشكال وتكرارها وحساسيتها، والأصغر سناً هم الأكثر حساسية وتأثراً، كما أنه من المسلم به أن الصور المرئية لها التأثير الأكبر، وهكذا فإن التلفزيون، بواسطة الصور المرئية ودرجة التكرار، يلعب الدور الأهم في تقديم الرواية للمشاهدين خصوصاً للأطفال منهم.

وفي ضوء ذلك نرى أهمية الصورة العربية وفسادها في وسائل الإعلام الكندية ووسائل إعلام الولايات المتحدة، والفلسطيني، قبل كل شيء، هو عربي، وصورة العربي في وسائل الإعلام الكندية تتطابق مع صورة الفلسطيني كما تتطابق مع العرب الآخرين، ومن المهم التأكيد، في بداية الكلام، على أن كثيراً مما تعرضه وسائل الإعلام الكندية هو امتداد لما تبثه محطات التلفزة الأمريكية ووكالات الأنباء وكذلك هوليود.

ويعاني العرب الكنديون من حملة مستمرة جائرة في كل وسائل الإعلام الكندية، مما يجعل علاقاتهم بزملائهم الكنديين صعبة للغاية، هذا إن لم تكن عميقة الجرح معنوياً، وهو أمر يسبب دماراً كبيراً للشباب في علاقاتهم مع الأطفال وكذلك لأشكال تصوراتهم الشخصية، ونتيجة هذه الحملة القاسية هي انحياز ضد العربي وضد كل ما يمثله ويرمز إليه، وإضافة إلى تأثيرات هذه التشويهات على العلاقات الشخصية اليومية، فهي تؤثر وبدرجة كبيرة على المسائل السياسية المرتبطة بالعرب والوطن العربي.

دعونا نتفحص بينات من عملية صنع هذه الصورة في المجالات المختلفة لوسائل الإعلام، إن وسائل التلفزة هي الأكثر جوراً بين الوسائل جميعها، ولذلك فهي تقدم مثالاً حياً لهذه الحملة العدائية، ومع أن الأخبار التي يقدمها التلفزيون تشارك بشكل ملموس في صنع هذه الصورة السلبية، إلا أن البرامج الترفيهية هي الأكثر مساهمة في تقديم صورة مغلوطة عدائية وعنصرية، فكثير من المسلسلات التلفزيونية تقدم العربي على أنه زعيم الأشرار وان مسلسل " فيجاس " هو من البرامج الأكثر شعبية، يصور العربي على أنه شيخ متعجرف تحيط به مجموعة على الحاشية الفاسدة والتي لا تقل قبحاً عنه.

وفي "ذي كوديز " (C.B.C، آب 1979)، يلعب دور المجرمين رجال يرتدون الزي العربي وهم يصرون على رفع أسعار النفط. وفي "معركة نجمة كالكيتكا" (A.T.V، 11 آذار 1979) يقوم البرنامج على تقديم الأشرار على أنهم حلفاء من البدو النازيين، وفي زي العرب. وفي مسلسل "الجميع في العائلة" تتساءل إحدى الشخصيات، بول بنيامين، بينه وبين نفسه إن كان "هوموسابين هو القاتل؟"، فيرد أديث بانكر، وهو شخصية ثانية، مستفسراً إن كان هوموسابين عربيا؟ لقد درج التلفزيون على تقديم العربي بشكل سلبي وهذا ما حصل في مسلسلات "أليس" و "حاول أن تكون ذكياً" و "الرجل الخارق" و "المركز الطبي" و "جزيرة الاعلام" و "هاواي خمسة" و "كولومبو".

إن هذا قليل من كثير، إن الرجل العربي هو دائماً صاحب أنف معقوف يضع نظارتين سوداوين ويقدح الشرر من عينيه. وإذا بدأ شبه مهذب فلأنه شبه ذكي. وهو في كل الأحوال إما يجر وراءه جملاً أو أنه محترف للذة وغني إلى درجة مثيرة للاشمئزاز من غير أن يستحق ذلك.

والمرأة العربية ليست أحسن حالاً. فهي عادة من الحريم، وعندما تكون محظية فهي ترتقي إلى راقصة أو وسيلة للجنس. وباختصار، فليس هناك عرق في أمريكا الشمالية عومل بازدراء واحتقار من قبل وسائل الإعلام كما عومل العرق العربي. هل كان بمقدور أي مخرج أن يخضع مجموعة عرقية أخرى إلى هذا النموذج المشوه؟ وهل نحتاج إلى تقدير ما يمكن أن يحل بهذا المخرج لو تجرأ وعرض صورة مشوهة عن اليهود؟

إن الصورة المشوهة لعرق ما غالباً ما تكون مكررة على المستوى الشخصي. وبالإضافة إلى برامج التسلية فهناك البرامج الرمزية. إن التكرار الدائم على تشويه عرق يصبح أمراً طاغياً. ولقد كتب ماك جرينفيلد في هذا الخصوص في مجلة "نيوزويك". كتب يقول "هناك حلقة مفرغة، ومعيبة من العمل هنا. إن الكاريكاتير معيب. وهو يستوحي انطباعاً قديماً كان مقبولاً، في الماضي. أعني به الافتقاد إلى معرفة ماهية العرب وحقيقة ماضيهم".

وتصبح البرامج الإذاعية وبرامج التلفزيون منصفة بالمقارنة مع تغطية الأخبار وبرامج الأحداث اليومية، فكثيراً ما نرى عند هجوم "إرهابي" فلسطيني (وهي الصفة التي تعطى لهذه الأعمال) نحيب المفجوعين من أقارب اليهود الضحايا ونرى كذلك تفاصيل عاطفة الزوجة والأم. ولكننا لا نرى أثر الغارات الإسرائيلية (أعمال انتقامية، بلا شك!) والأمهات المفجوعات الباكيات. فليس لدى العربي عواطف أو مشاعر. وليس لخسارته أي أثر على أحد آخر.

والنتائج السياسية لهذا التشويه العرقي شديدة الوضوح. فالفلسطيني، بالنسبة للرأي العام الأمريكي الشمالي، يفتقد أي شعور إنساني، وعليه فإن الغارات الإسرائيلية مشروعة، كما أن استعمال الأسلحة المحرمة من قبل الإسرائيليين مثل القنابل العنقودية وقنابل النابالم الحارقة تمر من غير اكتراث. وتزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة لا يحتاج إلى تبرير.

وعلى المسرح السياسي للإذاعة الكندية نكتشف صورة صاعقة من أول نظرة ومن غير إيحاءات مسبقة. ولقد حاولت أن أقوم بذلك، وأنا أحمل شعوراً على أنه من مسؤولية الإذاعة الكندية في برامج الأخبار وبرامج الأحداث اليومية، ان تقدم للرأي العام الكندي تقارير إخبارية غير منحازة وموضوعية، مما يتيح للكنديين أن يشكلوا أحكاماً واعية، وبالانطلاق من هذه الأرضية، فلقد توصلت إلى النتيجة ذاتها التي من المؤكد أن كل ذي عقل سيتوصل إليها، ألا وهي، إن أجهزة الإعلام الإذاعية في كندا تقوم بعملية ثابتة من التحريض ولنبدأ ببعض التسهيلات الإذاعية بشكل منفصل، وسيكون التركيز على وسائل الإعلام المحلية المقامة في هاليفاكس ونوفاسكوتا. وهي في كل الأحوال لا تختلف عن أي تجربة في أي مكان آخر من كندا.

هيئة الإذاعة الكندية (C.BC)

1- تقارير إخبارية: في عملية تقارير موضوعية من الأخبار، هناك اتجاه لإضافة النتائج العاطفية وكسب المزيد منها إلى جانب الإسرائيليين، وغالباً ما يكون ذلك عن طريق تقارير مجتزأة أو مشوهة أو ناقصة، وعندما يقوم الفلسطينيون بعملية من نوع القيام بتفجير أو إلقاء قنبلة يدوية، توضع هذه العملية كخبر رئيسي وتوصف على أنها عمل إرهابي جبان وقذر مع تفاصيل وافية عن قتل الأطفال، وعلى الجانب الآخر، عندما تقوم القوات الإسرائيلية المسلحة بالغارة على المخيمات الفلسطينية، والقرى اللبنانية المسالمة مستخدمة أكثر الأسلحة تعقيداً ومسببة قتل عشرات وربما مئات من الرجال والنساء والأطفال، فهي أعمال توصف بأنها انتقامية، ونادراً غير ذلك، ودعوني أعطي مثالين على ذلك.

صباح يوم الثاني من كانون الأول 1975، قامت القاذفات الإسرائيلية بإلقاء صواريخها على المخيمات الفلسطينية جنوبي لبنان تاركة أكثر من مائة ضحية ومئتين من الجرحى معظمهم من النساء والأطفال، ولقد تداولت ذلك معظم وسائل الإعلام في العالم وندد به السكرتير العام للأمم المتحدة في اليوم ذاته، إلا أنه عند الساعة 11 مساء (حسب التوقيت الأطلنطي) سمعنا خبر هذه المذبحة الجماعية من هيئة الإذاعة الكندية والبرامج التلفزيونية على الوجه التالي حرفياً "قتل اليوم سبعة وسبعون شخصاً على الحدود بين إسرائيل ولبنان"، هكذا حرفياً، هذا المثال على التشويه المتعمد والمخيف، ولم يكن من الممكن معرفة الضحايا أو معرفة الذين قتلوهم وكيف، انه مثل حقيقي عن درجة احتقار الإنسان الفلسطيني والمرأة والأطفال الفلسطينيين.

وفي يوم 22 كانون الثاني 1979 وقع انفجار كبير في مدينة بيروت، من المعتقد أن الذين كانوا وراءه هم الإسرائيليون، مما تسبب بمقتل قائد فلسطيني (قيل أنه من المسؤولون عن عملية ميونيخ) بالإضافة لعدد من المارة، لم تذكر كلمة "إرهاب"، إلا انه بعد مضي ستة أيام (28 كانون الثاني) وقع انفجار في مدينة نتانيا في إسرائيل، مما تسبب بمقتل شخصين إسرائيليين، ولقد وصف العمل على انه هجوم "إرهابي".

2- أفلام أو تقارير وثائقية: وهي كذلك تحابي وجهة النظر الصهيونية، وكمثال، يمكن إيراد برنامج بعنوان "الاتصال الروسي" وهو برنامج قدم بكثير من الاعتزاز من هيئة الإذاعة الكندية، المقاطعة الخامسة، يوم 25 أيلول 1979، والبرنامج هو صورة من التشويه المضخم والتحامل والافتراء، ويتكلم عن "إرهاب" منظمة التحرير الفلسطينية من غير أن يشير إلى إرهاب نزع الأراضي، وهو أكثر أشكال الإرهاب عنفاً، الذي يمارسه الصهيونيون على الفلسطينيين عن طريق اقتلاعهم من منازلهم، هذا إذا لم نذكر المجزرة التي ارتكبها الإرهابي الكبير مناحييم بيغن وكل قادة إسرائيل وهي المجزرة التي لا زالت مستمرة حتى الآن منذ 1948.

تعرض بشكل مؤثر ومتقن مشاعر المأساة التي تعانيها الأم الإسرائيلية المفجوعة، غير أن أمهات المئات من الفلسطينيين والأطفال اللبنانيين الذين يقتلون يومياً، بسبب الغارات الإسرائيلية، فهم بلا عواطف ولا أحاسيس، فهي تروي إرهاب عبوة من "ت . ن . ت" وضعها رجل من منظمة التحرير، لكن إرهاب قنبلة عنقودية تسقط فوق مخيم فلسطيني أو قرية لبنانية ليست جديرة بالذكر.

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5428&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment