Sunday, December 27, 2009

العرب في مواجهة خطر السينما الصهيونية

الرؤية الأمريكية لإسرائيل

محمد السعيد إدريس

باحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية.

مقدمة

في البيان المشترك الذي صدر عقب زيارة الرئيس الأمريكي السابق نيكسون عام 1974 لإسرائيل وصفت العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل بأنها "علاقة فريدة". ولقد دفع هذا الغموض الكثير من الكتاب والباحثين إلى إطلاق أحكام على هذه العلاقة لا يمكن أن تكون هناك أحكام اشد منها تناقضا منها, فهناك من يصفها بأنها علاقة سيطرة تمارسها الصهيونية على الولايات المتحدة من خلال مؤسسات مالية واقتصادية وثقافية وانتخابية, وهناك من يصف إسرائيل بأنها مجرد أداة من أدوات الإمبريالية. ويرجع السبب الأساسي في غموض هذه العلاقة القائمة بين إسرائيل إلى عدم انطباق مواصفات العلاقات المعروفة بين الدول على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فإسرائيل ليست مستعمرة للغرب عموما أو الولايات المتحدة بصفة خاصة, ولا يمكن اعتبار إسرائيل مجرد موقع جغرافي مناسب مثل جبل طارق مثلا. كما أنها ليست حليفا للولايات المتحدة بالمفهوم الدقيق لكلمة "حليف" فمن الناحية الشكلية لا يوجد, حتى الآن, حلف رسمي ولا حتى معاهدة دفاع مشترك.

وعدم انطباق مثل هذه التعريفات على العلاقة التي تجمع إسرائيل مع الولايات المتحدة يلقي جوا من الغموض على هذه العلاقة خاصة إذا ما اكتفى الباحث بتقديم توصيف سريع للعلاقة دون الدخول في كيفية تصور الولايات المتحدة لإسرائيل وأبعاد هذا التصور والعلاقة بين هذه الأبعاد المختلفة. لذلك فإن الدراسة ستهتم بمعرفة الأبعاد المختلفة للتصور الأمريكي لإسرائيل. ونوع العلاقة بين هذه الأبعاد, وأثرها على التصور الأمريكي العام لإسرائيل. ثم مناقشة احتمالات تغير هذا التصور.

وعلى هذا النحو تعالج الدراسة الموضوعات الثلاثة التالية:

أولا- دولة إسرائيل في التصور الأمريكي.

ثانيا- الصورة القومية الأمريكية للشخصية الإسرائيلية.

ثالثا- الرؤية الأمريكية لإسرائيل بين الثبات والتغير.

أولا- التصور الأمريكي لدولة إسرائيل

من الضروري أن نتناول هذا التصور من ناحية النخبة الأمريكية صانعة القرار السياسي أو المشاركة في صنعه, ومن ناحية الرأي العام اعترافا بالدور الهام الذي يمارسه الرأي العام في صنع ذلك التصور, وللتعرف على مدى الانسجام والتوافق بين تصور النخبة وتصور الرأي العام, أي مدى أصالة هذا التصور.

1-تصور النخبة الأمريكية الحاكمة لإسرائيل

انتشر استخدام مفهوم النخبة أو الصفوة في الكتابات السوسيولوجية ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين, ودون الدخول في تفاصيل دراسة النخبة من الناحية النظرية, فإن ما يهمنا في هذه الدراسة إبراز ذلك الدور الذي يقوم به أولئك الأشخاص, الذين يمارسون دورا مميزا في صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة. وهؤلاء الاشخاص المسؤولون عن صنع و اتخاذ قرار السياسة الخارجية يمثلون حلقة الوصل بين المدخلات والمخرجات في تحليل هذه القرارات.

من هنا كان اهتمامنا بدراسة تصورات النخبة الأمريكية لإسرائيل, وهذه النخبة المسؤولة عن صناعة القرار للسياسة الخارجية الأمريكية تتكون طبقا لنصوص الدستور الأمريكي من طرفين رئيسيين هما:

أ‌- رئيس الجمهورية الذي يجسد في سلطاته واختصاصاته السلطة التنفيذية (وبالتالي تركز الدراسة على تصورات رؤساء الجمهورية في الولايات المتحدة ومساعديهم ومستشاريهم).

ب‌- أعضاء الكونجرس من شيوخ ونواب, بسبب الدور الذي يعطيه الدستور الأمريكي لهؤلاء في صنع السياسة الخارجية.

وعلى ضوء دراسة تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل, والموقف الأمريكي من الصراع العربي الإسرائيلي يمكن تحديد أربعة تصورات مميزة عن إسرائيل لدى أعضاء النخبة الأمريكية الحاكمة. ويهمنا أن نشير بداية إلى انه رغم تميز كل من هذه التصورات عن الأخرى, في معناها ومغزاها, إلا أنها في نطاق السياق العام للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل, أي في إطار السلوك الأمريكي تجاه إسرائيل, تخدم غرضا واحدا وتؤدي إلى نتيجة واحدة وهي المزيد من الترابط بين الدولتين. لأنه في نطاق التحليل الوظيفي لكل من هذه التصورات نجد أنها تخدم أولا وأخيرا إسرائيل, واعتناق أي منها من جانب أي من المسؤولين الأمريكيين يعني تأييدا ودعما من جانبه للسياسة الإسرائيلية. ولذلك قد نصادف في كثير من الأحيان تبني شخص واحد من هؤلاء المسؤولين لأكثر من تصور من مراحل متعددة من تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية إزاء إسرائيل. ومثل هذا الأمر, رغم ما يحمله من بعض الخلط, تأكيد على ما بين هذه التصورات من ترابط.

التصور الأول: إسرائيل تجسيد للدولة اليهودية المنشودة

ترجع جذور هذا التصور من الناحية التاريخية إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل, كما انه من الناحية الموضوعية يعكس التصورات التي لحقت بالرؤية الأمريكية لليهود, وهي تطورات بلا شك ايجابية بالنسبة لليهود عامة ولليهود الأمريكيين بشكل خاص, إذا ما قورنت بالنظرة الأمريكية لليهود في بداية هذا القرن. وهذه التطورات الايجابية في الرؤية الأمريكية لليهود, لا ترجع فقط إلى التعاطف الأمريكي إزاء الاضطهاد النازي لليهود, أو للنجاحات المتعددة التي أحرزها اليهود في الولايات المتحدة, ولكنها ترجع وبشكل رئيسي لذلك التشابه الكبير بين نشأة إسرائيل ونشأة الولايات المتحدة من ناحية الاعتماد على الاستعمار الاستيطاني لتكوين الدولة, ومن هنا كان الإعجاب الأمريكي الشديد بالجهود اليهودية من اجل قيام دولة إسرائيل, ومن ثم كان التأييد والدعم من جانب الولايات المتحدة لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين لإنجاح الأمل المنشود في قيام إسرائيل.

وهناك عديد من الدراسات عالجت هذا الموضوع, من اشهرها مؤلف "تشارلز هيربرت ستمبد" بعنوان "اليهود في العقل الأمريكي" والذي ابرز فيه المراحل المختلفة لتطور الرؤية الأمريكية لليهود وخاصة فيما يتعلق بموضوع "العداء للسامية" الذي يثير اهتماما خاصا لدى اليهود. وتعكس هذه التطورات في الرؤية الأمريكية لليهود, مدى التغير الشديد في تقييم الأمريكيين لليهود, الأمر الذي كان له دوره الفعال في اتجاههم إلى تبني أهداف الحركة الصهيونية, والعمل من اجل إنجاح هذه الأهداف, وفي مقدمتها قيام الدولة اليهودية التي أصبحت بفضل عديد من العوامل مطلبا أمريكيا بقدر ما كانت مطلبا يهوديا.

ومن اشهر المقولات تعبيرا عن الجانب السلبي في بداية الرؤية الأمريكية لليهود, الخطاب الذي ألقاه "بنيامين فرانكلين "احد أبطال الاستقلال الأمريكي عام 1789, وتقول بعض فقراته:"...أينما حل اليهود هبط المستوى الأخلاقي والشرف التجاري, فقد ظلوا دائما في عزلة لا يندمجون في أية امة, يدفعهم الشعور بأنهم مضطهدون إلى خنق الأمة اقتصاديا, كما حدث في أسبانيا و البرتغال... فإذا لم تقصهم الولايات المتحدة عن دستورها فسنراهم في اقل من مائة عام يقتحمون هذه البلاد لكي يسيطروا عليها ويدمروها ويغيروا نظام الحكم الذي سالت من اجله دماؤنا".

وفعلا, صدقت تنبؤات فرانكلين عن اليهود ودورهم في الحياة الأمريكية, وأصبحت الولايات المتحدة من أهم ميادين الحركة الصهيونية في العمل من اجل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين, الذي سبق لها أن حصلت على وعد من بريطانيا, الدولة صاحبة الانتداب في فلسطين, عام 1917 فيما عرف بوعد بلفور. ففي 30 حزيران/يونيو 1922 نجحت الحركة الصهيونية في الحصول على قرار من الكونجرس الأمريكي يعد بمثابة وعد بلفور آخر ولكن بتدعيم أمريكي.

ومنذ ذلك التاريخ والولايات المتحدة حريصة على إنجاح المخططات الصهيونية من اجل الوطن القومي اليهودي في فلسطين, وفي مقدمتها فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية, وكان هناك شبه تنافس داخل الكونجرس بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري و الديمقراطي في تبني الأهداف الصهيونية. ويظهر هذا التنافس في الهجوم الشديد من جانب الحزب الجمهوري (27 حزيران/يونيو1944 )على الرئيس روزفلت واتهامه بالتقصير في تنفيذ وعد بلفور, على الرغم من كل التصريحات التي كان يعلنها روزفلت لتأييد الدعوة اليهودية بإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين, ومنها تصريحه في (16 آذار/مارس 1944 ) بضرورة العمل الجاد من اجل فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية, كما أصدر الحزب الديمقراطي قرارا في (24 تموز/يوليو 1944 ) يطالب بفتح أبواب فلسطين أما هجرة يهودية غير محددة ولاستعمار يهودي, واتخاذ سياسة من شانها أن تؤدي إلى إنشاء كومنولث يهودي ديمقراطي في فلسطين.

وتجددت فكرة"الكومنولث اليهودي" مرة أخرى في القرار الاجتماعي الذي أصدره الكونجرس في 19 كانون أول/ديسمبر 1945 الذي طالب بجعل أبواب فلسطين مفتوحة لدخول اليهود ولأقصى قدرة مستطاعة كي تكون هناك فرصة كاملة للاستعمار والتنمية, بحيث تكون لهم الحرية في استئناف بناء فلسطين كوطن قومي لليهود وجعلها كومنولث ديمقراطي.

وهذا الاعتقاد الأمريكي هو الذي جعل الرئيس "ترومان" يرفض 28 تشرين أول / اكتوبر1946 مطالبة الملك عبد العزيز آل سعود بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين, والعمل على استيعابهم في دول العالم الأخرى. ففي الرسالة التي رد بها الرئيس ترومان على رسالة الملك عبد العزيز آل سعود تبدو الأسباب الحقيقية التي دفعت الولايات المتحدة إلى تبني فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين, والايمان بضرورة قيام هذا الوطن, وهو ما انعكس بعد ذلك على بعض جوانب التصور الأمريكية لإسرائيل كدولة تجسد الأمل في نجاح الدولة اليهودية بما تمثله من تطلعات في العقلية الأمريكية.

ومن الجدير أن نشير إلى بعض فقرات هذه الرسالة لأنها تشرح كثيرا من جوانب التصور الأمريكي للدولة اليهودية, تقول:

"إن وضع اليهود المفجع, وخاصة من بقوا بعد اضطهاد النازيين في أوروبا يكون قضية ذات أهمية وتأثيرا لا يمكن لأناس ذوي نية وغرائز إنسانية أن يتجاهلوها. إن حكومة الولايات المتحدة وسكانها عاضدت مفهوم الوطن القومي اليهودي في فلسطين منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى التي اثمرت في تحرير الشرق الأدنى ومن ضمنه فلسطين وإقامة عدد من الدول المستقلة التي هي أعضاء في هيئة الأمم اليوم. والولايات المتحدة, التي ساهمت في الدفاع عن تحرير الشعوب اتخذت الموقف الذي لا تزال تلتزمه ألا وهو تهيئة هذه الشعوب للحكم الذاتي, ووجوب إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين, نظرا لا ن الوطن القومي اليهودي لم يكتمل بعد فمن الطبيعي أن تشجع دخول عدد هام من المشردين اليهودي في أوروبا إلى فلسطين لا يجدوا ملجأ بل ليتمكنوا أيضا من المساهمة بمواهبهم وجهودهم في سبيل تشييد الوطن القومي اليهودي.

وواضح أن هذه الرسالة تحمل من المغالطات التاريخية بقدر ما تحمل من تطلعات أمريكية, وهذه كلها مكونات أساسية لهذا الجانب من تصور الولايات المتحدة لإسرائيل, فليس هناك أي أساس قانوني يبيح انتهاك حرية دولة وغزوها بهجرة أجنبية ليس لها أي دخل فيها وبدعوى المسؤولية الدولية, كما أن الربط بين قيام عدد من الأقطار العربية بعد الحرب العالمية الأولى ( أي تقسيم الأمة وفق الإرادة الاستعمارية ) وبين قيام الدولة اليهودية, باعتبار أن هذه النتائج جميعا هو مغالطة تاريخية فجة. ودون الدخول في تفصيلات نقدية لهذه الرسالة يهمنا أساسا التركيز على جوانب هذا التصور الأمريكي للدولة اليهودية, فهي قائمة أصلا على تعاطف أمريكي مع الشعب اليهودي في ظل اضطهاد النازية, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى تقوم على أساس الإيمان بالقدرات الخلاقة للشخصية اليهودية, وهو ما أكد عليه الرئيس ترومان في رسالته المشار إليها. وعلى هذا الأساس كانت إسرائيل, وعلى حد قول ناداف سفران (احد المفكرين اليهود الأمريكيين المشهورين ) تعتبر, من جانب العالم الغربي والمسيحي عامة والولايات المتحدة خاصة نوعا من التعويض لضحايا التعذيب الرهيب وكمأوى للاجئين, كما كانت أيضا تأييدا لأمال وطموحات القومية اليهودية في الإحياء القومي اليهودي.

ورغم ما يمكن أن يقال عن هذا التصور الأمريكي لإسرائيل بأنه يمثل فقط مرحلة تاريخية لم تعد ذات تأثير فعال في السياسة الخارجية الأمريكية, ومع اتفاقنا مع هذا الرأي, إلا انه ما زال مثارا من جانب الكثير من الزعامات الأمريكية, خاصة تلك التي تشكل العوامل الثقافية والفكرية جانبا هاما من نظام القيم الخاص بها والذي على أساسه تقوم اختياراتها السياسية.

ومن أمثلة هذه التصورات, الرؤية التي قدمها هارولد سوند رز في مجلس النواب الأمريكي لإسرائيل و قال فيها: "إن التزامنا لا رجعة فيه بأمن وقوة ورخاء إسرائيل, ولقد أعادت تأكيد هذا الالتزام كل حكومة أمريكية منذ قيام إسرائيل الحديثة قبل ثلاثين عاما, وهذا مظهر دائم من مظاهر السياسة الخارجية الأمريكية, وأستطيع أن أضيف بان هذا الأمر كان التزاما شخصيا عميقا من جانبي, ويشارك العديد من الأمريكيين في هذا الالتزام تجاه شعب قاسي بصورة تفوق ما يستطاع إدراكه, ويساهم فوق ذلك بالكثير في تراثنا وفي عالمنا, وفي هذا العقد توسع هذا الالتزام وقوي مع الزمن ومع التطور الثابت للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل"كما صرح بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي بان العرب يجب أن يفهموا أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات الأمريكية العربية, لان العلاقات الأمريكية الإسرائيلية علاقات حميمة مبنية على التراث التاريخي والروحي الذي يتعزز باستمرار بواسطة النشاط السياسي لليهود الأمريكيين بينما العلاقات الأمريكية العربية لا تحتوي أي عامل من هذه العوامل.

وتشير مثل هذه التصريحات إلى مفهوم اليهودية كتراث روحي و ثقافي تشكل عاملا أساسيا في تبني دعوة الدولة اليهودية التي تجسدها إسرائيل في العقلية الأمريكية. ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل إن شرط الاعتراف العربي بإسرائيل, كدولة يهودية, يعتبر احد الشروط الأساسية في فهم الرئيس كارتر لمفهوم السلام في الشرق الأوسط. وهو ما أعلنه في خطابه الذي ألقاه في قادة المنظمات اليهودية في نيوجرسي في حزيران/يونيو 1976.

التصور الثاني: إسرائيل أداة للمحافظة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط

كثيرا ما يقال أن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل قائمة على أساس الدور الذي تقوم به إسرائيل في خدمة مصالح الولايات المتحدة بالشرق الأوسط, ولكن دون تحديد لماهية هذا الدور الذي تقوم به إسرائيل, ودون توضيح لمكانة إسرائيل ضمن الأدوات والوسائل الأخرى, التي تستخدمها الولايات المتحدة حفاظا على مصالحها بالمنطقة. إلا أن التصور الذي وصف به "ستيوارت سيمنجتون "إسرائيل كان أكثر تحديدا لهذا الدور فقد وصف سيمنجتون إسرائيل بأنها "حاملة الطائرات لا تغرق "وسيمنجتون هذا كان وزيرا لسلاح الطيران الأمريكي في الفترة 1947 _1950, ثم أصبح بعد ذلك من ابرز مجموعة الشيوخ ألاثني عشر التي تؤلف النواة الصلبة لدعم إسرائيل وتأييد قضياها في الكونجرس, ويساعده في أداء هذا الدور كونه رئيسا للجنة الفرعية لشؤون الشرق الأقصى الأدنى وجنوب شرق آسيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي. والوصف الذي استخدمه سيمنجتون يحدد الأفضلية المطلقة التي تحتلها إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة, فهي فقط ليست جزءا من نظام الدفاع الاستراتيجي لامن الولايات المتحدة, ولكنها جزء لا يمكن تصور إحداث أي ضرر به, ومن ثم يجب تحصينه وحمايته بكافة الوسائل والأساليب. وتزداد أهمية مثل هذا التصريح أن صاحبه أعلنه وقت أن كان مسئولا عن سلاح الطيران الأمريكي, ثم استخدم فعالية دوره في مجلس الشيوخ وقدراته المشهرة في تجنيد المجلس للدفاع عن إسرائيل و الاستجابة لكل مطالبها.

وعلى أية حال, فإن هذا التصور قد سيطر على أغلبية أعضاء الكونجرس منذ قيام دولة إسرائيل عندما تبنى معظم النواب الأمريكيين الرأي القائل بضرورة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية, ورفض أية رغبة لتوطينهم في إسرائيل, وعدم التفكير في إمكانية إحداث أي تغيير في دولة إسرائيل على أساس أنها موقع متقدم للدفاع عن المصالح الأمريكية في وجه الخطر الشيوعي في الشرق الأوسط, وكان كل من النائبين الجمهوريين "ولتر جود"و"وابن مورس" أكثر المرددين لمثل هذا القول.

وفي سنتي 1955, 1956 عندما زاد استقطاب الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي, أصبح النواب الأمريكيون أكثر تأييدا لإسرائيل التي صاروا يصورونها "بالحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط".وكان "أبراهام ملز"و"همانويل سيللر"من ابرز النواب المطالبين بمواصلة التأييد الأمريكي لإسرائيل, وكانا ينتقدان وزارة الخارجية الأمريكية"لساستها المؤيدة للعرب" من وجهة نظرهم, وعمانويل سيللر كان ديموقراطيا من نيويورك ورئيسا لمجلس النواب ورئيسا للجنة التشريعية فيه.

وبتطور الأحداث في الشرق الأوسط زادت أهمية إسرائيل। فقد أثبتت أحداث لبنان على سبيل المثال لكثير من النواب, وفي مقدمتهم "جاكوب جافيتش" النائب الجمهوري من ولاية نيويورك, أهمية إسرائيل الدقيقة بالنسبة للولايات المتحدة "كمرساة يمكن الاعتماد عليها من قبل العالم الحر في الأمور الاستراتيجية والعسكرية في الشرق الأوسط والبحر المتوسط". وطالب جافيتش الولايات المتحدة بان تتخذ المبادرة في تامين إيجاد حل للنزاع العربي-الإسرائيلي وذلك بإرغام الأقطار العربية على تحمل مسؤولياتها بالنسبة للاجئين, وان تزيد من المساعدة العسكرية لإسرائيل بصفتها حليف يمكن الاعتماد عليه. وكان"أبراهام ملز"من نيويورك قد سبقه في التأكيد على انه لا يمكن التفكير في إعادة توطين اللاجئين في إسرائيل.


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5429&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment