Sunday, December 27, 2009

الإعلام الأمريكي الموجه وتكريس الهيمنة

الإعلام الأمريكي الموجه وتكريس الهيمنة

عاصم السيد / القاهرة

29/09/2005

في محاولة لبسط النفوذ الإعلامي الفضائي الأمريكي على العالم، تستعد الولايات المتحدة لإطلاق قناة فضائية إلى أمريكا اللاتينية؛ فهي ترغب في استنساخ تجربة قنواتها (الحرة) الموجهة إلى العرب، وكذلك راديو (سوا) لكي تطلق محطة إلى أمريكا اللاتينية، وربما بعد ذلك، تطلق شقيقة صغرى لها، أي المخصصة لفنزويلا. ففي شخص هوغو شافيز، تتكثف الكراهية اللاتينية للسياسة الأمريكية. والرجل، لا ترضي عنه أمريكا، لكنه يحظى بشعبية عارمة تحميه. ففي فنزويلا، هناك وسائل إعلام خاصة، ووسائل إعلام تملكها المعارضة الموالية لواشنطن. لكن الديمقراطية في البلاد، تقدم نموذجاً، يؤكد أن صيغة الحكم الديمقراطي، في بلدان الجنوب، أو في البلدان التي تعاني شعوبها من السياسات الأمريكية، لا يمكن أن توائم واشنطن. بل إن واشنطن، لا يناسبها في كراكاس وفي غيرها، سوى الديكتاتورية، التي تعاند ميول الشعب، وبالتالي فإن هوغو شافيز، قوي بالديمقراطية الحقيقية، وبالرأي العام الفنزويلي، ولا يخشى الإعلام المضاد، في بلاده. بل إنه علّق –باستهتار- على أنباء التهيؤ الأمريكي لإطلاق قناة مخصصة لشعوب أمريكا الجنوبية، فقال: إنها فكرة إمبريالية سخيفة، لا ينبغي أن تدهشنا. فنحن نعرف ما تستطيع واشنطن أن تقوم به، وليس هناك أخطر من عملاق يائس.

وبينما تتأهب واشنطن، لإطلاق مشروعها المتلفز، بعد أن أتمت دراسته، ولم يتبق سوى إقرار الكونغرس، أطلقت كراكاس قناتها اللاتينية (تيليسور) التي بدأت البث مؤخراً. وقدمت القناة نفسها، بأنها ظهرت لكي تقدم وجهة نظر أمريكية لاتينية (توافق الرأي العام الشعبي) في الأحداث، وإنها على ثقة بقدرتها على مقاومة السيطرة الطاغية، للشبكات التجارية، المحلية والأمريكية، التي تغطي أحداث القارة. ولم يدع هوغو شافيز، المناسبة تمر دون الإدلاء بدلوه شخصياً، فقال: إن إطلاق (تيليسور) يعكس يقظة شعوب أمريكا اللاتينية الراغبة في تكامل المصالح والسياسات. وأكد شافيز على أن القناة التي تمولها الحكومة الفنزويلية، تمثل ضربة استباقية لجهود بعض أعضاء الكونغرس الأمريكي من أجل شن حرب إلكترونية وإعلامية ضد الديمقراطية الفنزويلية. أما وزير إعلام شافيز، الذي هو نفسه، رئيس (تيليسور) فقد أوضح بأن القناة الجديدة تهدف إلى كسر احتكار النظام الإعلامي الدولي، وتقديم رؤية وصوت ما زالا غائبين. وفسر إعلاميون لاتينيون إطلاق هذه القناة بإعلان الحرب على الإمبريالية الثقافية التي تمثلها وسائل الإعلام الأمريكية والغربية.

انحياز رغم الحرية!

الإعلام الأمريكي - في غالبيته- حر ومستقل، وهو الإعلام الذي كشف- ولا يزال يكشف- فضائح الإدارة الأمريكية، من أبو غريب إلى غوانتانامو. لكن الحرب العالمية الرابعة، ضد الإرهاب الدولي والدول المساندة له، هي حرب تعتمد أكثر على «التنظير» أو «التأويل» السياسي والإعلامي أكثر مما تعتمد على المعلومات الموضوعية التي قد يجمعها المراسلون الصحافيون، أو حتى عملاء الاستخبارات. ففي مقابل بضع عشرات من الإعلاميين الأمريكيين الذين يغطون الأحداث في الشرق الأوسط، هناك آلاف المنظرين والمعلقين السياسيين الأمريكيين الذين يفسرون الأحداث والوقائع على طريقتهم، بمعزل عن الحقائق على الأرض. وبهذا المعنى فإن الانتصار أو الهزيمة في الحرب الأمريكية على الإرهاب الدولي والدول المساندة له، سيعتمد، بشكل كبير، على مدى نجاح أو فشل الحملة التي يشنها الإعلام الأمريكي، بحسب انحيازاته واستقطاباته الجمهورية أو الديموقراطية.

ممارسة الهيمنة بالإعلام

التجربة الأمريكية في توظيف الإعلام قد عادت إلى نقطة البداية، وربما أبعد من ذلك، وهي اليوم تكرر أسلوب الإعلام الرسمي الموجه الذي اعتمدته الدول الشمولية والاتحاد السوفيتي السابق على وجه الدقة . وكانت أولى الخطوات التجريبية قد تمت على مستوى الصحافة المقروءة؛ إذ عملت إدارة مجلة (نيوزويك) الأسبوعية على إصدار هذه المجلة بطبعة عربية، إلا أن المجلة كمطبوعة وبشكل عام لم تعد تحتل الترتيب المتقدم في وسائل الإعلام الأخرى، وفي منافسة الصحافة والتلفزيون، بل تراجعت منذ توسعت الصحف اليومية في نشر الدراسات والتقارير التي كانت حكراً -نوعاً ما- على المجلة كمطبوع دوري، وإذا كان الهدف الأمريكي الآخر من تأسيس قناة (الحرة) الفضائية وإطلاق راديو (سوا) ومجلة (هاي) هو تجميل صورة الولايات المتحدة الأمريكية في الوطن العربي فإنها بذلك قد خسرت نصف المعركة مقدما، وإذا كان إنشاء قناة (الحرة) نابعاً –ربما- من اعتقاد المسؤولين الأمريكيين بأن مواقفهم وآراءهم وتصريحاتهم السياسية لا تصل بشكل جيد إلى المواطن العربي، أو بأن وسائلهم التي تعمل بالنيابة وبتوجيه غير مباشر أضحت مكشوفة وعاجزة عن أداء تلك المهمة أيضاً، فإن الشيء الذي لا يمكن تداركه ومعالجته بعد ذلك هو فشل (الحرة) وغيرها من الوسائل الدعائية الأمريكية الموجهة إلى الوطن العربي في تحسين صورة الأمريكي القبيح الذي احتل العراق ومارس الظلم والقهر والتدمير.

وغير هذا وذاك فإن التعددية الفضائية ستكون أوسع كثيراً من فكرة ممارسة الهيمنة بالإعلام على الآخر.. وإن المتلقي في الوطن العربي حين يتجول بين الفضائيات العربية سوف يلغي اختيار التوقف لمشاهدة (الحرة)؛ لأنها أضحت في قناعته (حرة) التعبير عن الرأي الأمريكي فقط الذي يعكس مواقف وتوجهات اللوبي الصهيوني واليمين المسيحي المتطرف ( المحافظون الجدد ) ذلك الرأي الذي يعرفه مسبقاً، ولا يرغب في متابعته أو التعاطف معه.

نموذج الدعاية الرخيص

بالرغم من معرفة العالم أجمعه أن العراقيين يرفضون الاحتلال والسلطات التي عينها، إلا أننا نجد أن وسائل الإعلام الأمريكية تشير إلى الوطنيين العراقيين الذين يدافعون عن بلدهم ضد الغزاة المستعمرين بلفظ "المتمردين"، في محاولة للتقليل من شأن المقاومة العراقية الوطنية الشجاعة. ويتمثل استخدام ألفاظ غير واقعية في الإشارة باستمرار إلى قوات الاحتلال الأمريكية، إضافةً إلى المرتزقة من الجنود الخاضعين لتوجيه وسيطرة هذه القوات بـ "قوات التحالف" كأحد المظاهر الرئيسة للحملة الدعائية الأمريكية المقصود منها خداع الشعب العراقي بأن القوات الأمريكية هي "قوات متحالفة مع العراق" وليست قوات احتلال له. فلماذا تلجأ واشنطن ووسائل الإعلام المرتبطة بالإدارة الأمريكية إلى إخفاء الحقائق وإلى الكذب المنظم ومحاولة استخدام ألفاظ جميلة تخفي جرائمها ضد الإنسانية؟

إن الهدف الأساس من ذلك هو تعزيز الدعم الإعلامي الداخلي لعمليات القتل الجماعي التي تتم في العراق على أيدي الجيش الأمريكي والقوات الأمنية العراقية المرتبطة بها؛ إذ تختلق وسائل الإعلام شبكة من الأكاذيب لتأمين بريق مشروعية الطرق الإرهابية والإجرامية حتى تتمكن قوات الجيش الأمريكي من متابعة عملية تدمير المدن العراقية في ظل حصانة ضد محاسبتها على ذلك.

والطريقة التي أتقنها (غوبلز) في ألمانيا اتبعتها الولايات المتحدة قبل وبعد احتلالها للعراق، حيث إنها تنطوي على الكذب المستمر ومحاولة استخدام ألفاظ جميلة لجرائم مروعة يندى لها جبين الإنسانية حتى تصبح "حقائق" مقبولة، ويتم تداولها في اللغة اليومية للمواطن الأمريكي. وقد تولت قوات الاحتلال الأمريكية في العراق شرح الاهتمامات التكتيكية التي تهم قادة عمليات القتل والرعب والإرهاب الأمريكي في العراق أو ما يسمونه "إحلال الأمن" للمراسلين الإعلاميين المنساقين معها والمرتبطين بها، وكذلك مراكز الأخبار المشهورة لكي يتداولها ملايين الأشخاص سواء بالاستماع إليها أو بمشاهدتها. ولقد تم توحيد الهدف بين وكالات القتل الإعلامي الجماعي والحياة العامة اليومية للأمريكيين من خلال "التقارير الإخبارية" وخصوصاً تلك التي يشاهد فيها المواطن الأمريكي الجنود الأمريكان يكتبون أسماء الزوجات والحبيبات على الدبابات والمدرعات التي تدمر مساكن العائلات العراقية، وتحول مدينة كالفلوجة أو تلعفر إلى أطلال.

وبعيداً عن الاستثناءات، فإن وسائل الإعلام المرتبطة بالإدارة الأمريكية تتبع عدة أساليب، من أجل "تهدئة" روعة "ضمير" الجنود والمواطنين الأمريكيين. ويتمثل أحد هذه الأساليب في "خلط الأدوار" بحيث تُعزى الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال إلى الضحايا وعلى النحو التالي: الجنود الأمريكيون ليسوا هم المسؤولين عن تدمير المدينة، ولكن العائلات العراقية هي التي فعلت ذلك لقيامها "بحماية الإرهابيين" وبذلك "جلبوا لأنفسهم عمليات القصف"!!!

أما الأسلوب الثاني فيتمثل في الإعلان فقط عن مقتل وإصابة الجنود الأمريكان من حاملي الجنسية الأمريكية التي تحدث نتيجة عمليات المقاومة الوطنية، والتي يشاهدها مراسلون مستقلون أو مواطنون عراقيون، وبذلك لا يرد أي ذكر لمقتل وإصابة الجنود "الأمريكان" من حاملي "البطاقة الخضراء" المرشحين للحصول على الجنسية الأمريكية، أو لآلاف القتلى من المواطنين العراقيين جراء القصف الأمريكي وإطلاق النار العشوائي.

وحول الشبه بين القوات النازية وقوات الاحتلال الأمريكية، فإن القوات الأمريكية تعد أن كل مبنى مدني هو عبارة عن "مخبأ" لـ "الإرهابيين"، وهذا بالطبع يُعدّ خرقاً كلياً وفاضحاً لكل قوانين الأرض، ومنها قوانين جنيف الخاصة بالحروب، وأن تدمير تجمعات سكنية ومدن بأكملها من قبل كل من ألمانيا النازية والولايات المتحدة هو نفس الإجراء العسكري الذي تتبعه إسرائيل ضد الفلسطينيين.

غزو فاشل

ولذلك فلم يكن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية الخاص بتقييم فعالية الدور الذي قامت به إذاعة (سوا) و قناة (الحرة) لتحسين صورة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة مفاجئًا لأحد من حيث إعلانه أن قناة (الحرة) وإذاعة (سوا) قد أخفقتا إخفاقاً ذريعًا في أداء مهمتهما وتحسين صورة واشنطن في عيون شعوب المنطقة.

فقد نبه التقرير إلى أن محطة (سوا) المتخصصة في إذاعة الأخبار والأغاني والموسيقى العربية الشعبية لم تبذل الجهد المطلوب أو تحقق نتائج مقبولة فيما يتعلق بتعزيز الديمقراطية في المنطقة، أو حشد الدعم للمواقف المؤيدة لأمريكا، وفشلت في جذب الجمهور للاستماع لبرامجها أو التأثير في عقول شباب المنطقة، وهي الفئة المحددة لنشاط الإذاعة.

كما شكك التقرير في مصداقية بعض الأبحاث التي قدمها مجلس أمناء إذاعة (سوا) وقناة (الحرة) إلى الكونجرس الأمريكي، والتي تظهر نجاحهما مشيرًا إلى أن هناك لجنتين مستقلتين، تضم خبراء اللغة العربية قد أصدرتا تقريرًا بتمويل من مكتب المفتش العام الأمريكي، أكد أن تأثير القناة والإذاعة ضعيف جدًا بالمقارنة بقناة (الجزيرة) و(العربية)، لاسيما فيما يتعلق بالجودة والمصداقية، فضلاً عن أن الآباء لا يفضلون أن يستمع أبناؤهم إلى قناة (الحرة) أو إذاعة (سوا) ؛ لافتقاد مذيعيها للكفاءة والمصداقية والخبرة وضعفهم الشديد في اللغة العربية .

وقد جاء هذا التقرير ليؤكد إخفاق المساعي الأمريكية في إيجاد صوت مباشر لها في المنطقة بعدما اعتمدت لسنوات طويلة على أسلوب ضخ الأموال وتقديم المعونات للقنوات والصحف العربية ووسائل إعلامها للترويج لوجهات النظر الأمريكية، ولكن هذا الأسلوب لم يفلح في فتح نوافذ التواصل بين واشنطن وشعوب المنطقة، وكانت إدارة الرئيس بوش قد أعلنت منذ مدة إطلاق فضائية أمريكية تحت مسمى (الحرة) تستهدف المجتمعات العربية لنشر القيم الأمريكية والديمقراطية في المنطقة، وتبث العديد من البرامج التعليمية للغة الإنجليزية والبرامج الإخبارية بالإضافة إلى برامج عن الصحافة الأمريكية، وعادات وتقاليد المجتمع الأمريكي، وبرامج حوارية تستهدف تغييرًا كاملاً لعادات العالم العربي.

ونبه التقرير على أن الإقبال من المشاهدين والمستمعين العرب على متابعة برامج إذاعة (سوا) وقناة الحرة لا يزيد على 5 % من الشعوب العربية فقط، وهذه النسبة القليلة غير منتظمة في مشاهدتها، وأن هذا الرقم في تراجع؛ لأن هناك أباء يمنعون أولادهم من مشاهدة وسائل الإعلام الممولة أمريكيًا، وكذلك وجود فتاوى من مرجعيات دينية بتحريم مشاهدة هذه القنوات أو التعامل معها، ورفض العديد من الشخصيات التي تتمتع بقبول ومصداقية لدى الرأي العام العربي الظهور فيها.

ولكن ليست هذه الأسباب وحدها وراء عزوف المشاهدين العرب، فإذاعة (سوا) وقناة (الحرة) تفتقدان إلى الموضوعية والصدق، وهدفها فقط ترويج السياسات والقيم الأمريكية في المنطقة.. فمثلاً هناك تجاهل تام للمذابح الصهيونية في فلسطين والمجازر الأمريكية في العراق، والتركيز على الأوضاع والقضايا التي تثير نقمة المواطن العربي على وطنه وأمته.. أضف إلى ذلك انحياز القناة التام للسياسات الأمريكية وتبنيها لوجهة النظر الصهيونية في حال مناقشتها للصراع العربي الإسرائيلي.

إن (سوا) و(الحرة) قد حاولتا أول الأمر إثارة قضايا جديدة ومشوقة تتجنب وسائل الإعلام المحلية وبعض القنوات الفضائية الخوض فيها، والتركيز على قضايا الرفاهية التي ينعم بها بعض العرب في أمريكا ومحاولة القائمين عليها الظهور بمظهر الحيدة والموضوعية، علاوة على استخدام أحدث الأساليب التكنولوجية.. لكن هذا الأمر لم يستمر طويلاً فهذه الموجة لم تستمر، وبدأت الأهداف الحقيقية للقناة تظهر عبر أسلوب "دس السم في العسل" الذي تستخدمه في مناقشة القضايا الحيوية التي تخص المنطقة وشعوبها، وهو ما أنهى حالة الاستهواء المؤقت، التي جعلت بعض شباب المنطقة يقبلون عليها، واكتشفوا أن ما يُقدّم سطحي تافه، ويستند إلى أجندة حقبة لا ترغب الخير للمنطقة.

وإذا نظرنا إلى البرامج التي تقدمها إذاعة (سوا) وقناة (الحرة)، فمثلاً برنامج (سوا شات) وهو برنامج لا هدف له إلا الترويج للأفكار الإباحية التي تخالف المنظومة القيمية لشعوب المنطقة، وكذلك - سؤال اليوم- باختراع أسئلة وهمية يتم من خلال الإجابة عنها تبرير السياسيات الأمريكية والإسرائيلية، مهما كانت مستفزة وعدائية.. ناهيك عن (الحرة) التي تعرض تمثيليات أمريكية مدبلجة تروج لمفاهيم الزواج المتطور الأمريكي مثل مسلسل الأصدقاء الذي يروّج للحرية الجنسية بدون زواج بين مجموعة من الأصدقاء، ويمجد الشذوذ الجنسي، بالإضافة إلى إعداد مسلسلات تليفزيونية باللغة العربية تروّج للتطبيع مثل قصة مصطنعة ومختلقة عن مهاجر فلسطيني في أمريكا، وتعمل ابنته راقصة وتتزوج من يهودي أمريكي، ويعيشان في سعادة وتفاهم.. فضلاً عن (الفيديو كليب) العربي والأمريكي الذي يعتمد على الترويج لأجساد وعورات الفتيات ومشاهد القبلات الحارة الساخنة.

كما أن القناة لا تفتأ تحرّض على النظم العربية للتمهيد لإعادة رسم خريطة المنطقة من خلال برنامج يُسمى "المنطقة الحرة". لكل الأسباب السابقة نرى غياب المصداقية والشفافية عن أداء (سوا) و(الحرة).. كما أن أغلب من يعملون في هذه القنوات أناس لا علاقة لهم بالعروبة ولا بالإسلام، فقد تم اختيارهم بعناية من بعض دول الشام وأغلبهم من الموارنة الذين يعادون الإسلام واستقلال العالم العربي عن النفوذ الأجنبي.. ناهيك عن ترويجهم لمفهوم التطبيع مع إسرائيل وانبهارهم بأسلوب الحياة الغربية - والأمريكية تحديدا - في الثقافة والسلوك ونمط الحياة

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5423&page=3171&l=ar

إعلام: السينما الصهيونية

إعلام: السينما الصهيونية


26/08/2009

السينما الصهيونية (1948 – 1967)

بقلم: سمير فريد

يختلف تناول السينما الصهيونية قبل انشاء اسرائيل عن تناولها بعد انشاء اسرائيل. فبعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948 لم يعد هناك أدنى التباس حول حقيقة الحركة الصهيونية كحركة عنصرية. وأصبح من الواجب على كل فنان ان يحدد موقفه بوضوح عندما يتطرق الى المشكلة اليهودية. لم يعد هناك مجال لوضعالأقنعه . كما لم يعد هناك مجال للناقد أو المؤرخ أيضا للحديث عن اية أقنعه أو أية مؤامرات تحاك في الظلام.

والسينما الصهيونية مثل السينما النازية يمكن ان توجد في أي دولة ويمكن ان تصنع بواسطة أي فنانين يتبنون الصهيونية. لذلك نجدها في الولايات المتحدة، ونجدها تصنع بواسطة فنانين يهود، وفنانين غير يهود، ولذلك فقد راينا أن نتابع حركة السينما الصهيونية تاريخيا منذ انشاء اسرائيل، واعتبار كل حرب من الحروب التي قامت بين اسرائيل وبين الاقطار العربية ببداية مرحلة جديدة في تاريخ هذه السينما.

كذلك راينا استبعاد السينما الاسرائيلية، أو بالأحرى السينما الصهيونية التي يتم انتاجها داخل فلسطين المحتلة (إسرائيل) باعتبارها تمثل وحدة مستقلة في السينما الصهيونية تدرس على حدة، وسوف نقتصر ايضا على الأفلام ذات البعد الصهيوني المباشر والصحيح، إذ لا يدخل في نطاق موضوعنا الأفلام الأجنبية التي تعرضت لمؤثرات صهيونية بصورة غير مباشرة.

بعد حرب 1948 مباشرة، تم في عام 1949 إنتاج فيلمين أمريكيين يعتبران بداية السينما الصهيونية بعد انشاء اسرائيل، وهما الفيلم التسجيلي "الرواد" إخراج باروخ دينار، والفيلم الروائي الطويل "سيف في الصحراء" إخراج جورج شيرمان. وقد عرض فيلم "الرواد" في ستة آلاف ومائتين من دورالعرض في الولايات المتحدة في وقت واحد، ورشح للفوز بجائزة الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون السينمائية المعروفة باسم " الاوسكار" لأحسن فيلم تسجيلي قصير، ثم هاجر مخرجه الى اسرائيل عام 1960 ويتناول الفيلم انتصار القوات الصهيونية على القوات العربية في حرب 1948، مبرزا المستوطنين اليهود في المزارع الجماعية "الكيبوتزات " على انهم الرواد الذين انتصروا!

أما فيلم "سيف في الصحراء " الذي كتبه وأنتجه روبرت بوكنر والمشترك في تمثيله دانا اندروز وليمارايموند، فيتناول "ميلاد اسرائيل " من خلال قصة "قائد سفينة مليئة بالمهاجرين اليهود يمثل دوره دانا اندروز، عليه إما ان يكون جبانا كالعادة، أو يصبح بطلا بوقوفه الى جانب اليهود " ويتجاهل الفيلم العرب تماما، ويوجه اتهاما عنيفا للإنجليز بالتعاون مع العرب ضد اليهود"!

وبينما يعتبر تجاهل عرب فلسطين سمه اساسية من سمات السينما الصهيونية التي تتناول المشكلة الفلسطينية، حيث قالت غولدا مائير يوما أنني لا اعرف شعبا بهذا الاسم " أي باسم الشعب االفلسطيني، فإن اتهام الانجليز بالوقوف مع العرب في حرب 1948، وهو أمر يفتقد الأسانيد التاريخية وبهدف ابراز صورة اليهودي الصهيوني الذي يقف وحده، واثارة العطف عليه في حربه المقدسة من أجل البقاء.

وفي عام 1953 انتج الفيلم الأمريكي "الحاوي " إخراج ادوارد ديمتريك عن رواية مايكل بلانكفورت المسماة بنفس الاسم، والذي اشترك في تمثيله كيرك دوغلاس، وتم تصوير جزء منه في اسرائيل. ويتناول هذا الفيلم قصة حاو يهودي نجا من الموت في معسكرات الإعتقال النازية ولكنه "لا يستطيع أن يعتبر وجوده في اسرائيل عودة إلى الوطن" وتصوير الفيلم في اسرائيل يعني بالضرورة أنه يناقش هذه المشكلة لكي يثبت أن اسرائيل هي وطن كل يهود العالم. وهي من الأفكار الرئيسية التي تقوم عليها الدعوة الصهيونية.

لم تتناول السينما الصهيونية حرب 1956، بل لقد منعت إسرائيل فيلم "الطلائع الزرقاء " الذي انتجته الأمم المتحدة في ذلك العام عن قوات الطوارئ الدولية، رغم أن مخرجه البريطاني ثورولد ديكنسون كان قد اخرج فيلمين إسرائيلين قبل ذلك. وذلك بسبب تناول الفيلم لحرب 1956 معبرا عن وجهة نظر الأمم المتحدة في هذه الحرب.

يقول منير صلاح الأصبحي في دراسته عن الرواية الصهيونية "لا بد من الإشارة إلى انه ليست في هذه الروايات أية محاولة للتركيز بصورة رئيسية على حرب السويس عام 1956 وأن يندر جدا ذكر هذه الحرب، فهذا أمر ذو دلالة كبيرة، إذ ان حرب1965 تختلف عن الحربين اللتين تسلط الروايات اضواءها عليهما في انها لم تحقق "انتصارا باهرا " لإسرائيل، فمن جهة لم تكن اسرائيل وحيدة في هجومها على مصر، بل كانت مصر هي البلد الذي واجه تحالف ثلاث دول، اثنتين منهما كانت من القوى العظمى آنذاك، ومن جهة خرى، كانت نتيجة الحرب انتصارا سياسيا كبيرا لمصر، وكذلك، فإن اسرائيل، رغم احتلالها المؤقت والقصير لسيناء، اخفقت في تحقيق اهدافها العسكرية والسياسية التي شنت الحرب من أجلها، واضطرت الى التراجع والأنسحاب " ونلاحظ أن السينما الصهيونية ولنفس الأسباب، تجاهلت أيضا حرب 1973. ولكن الفترة من عام 1965 الى عام 1967، وهي فترة الإعداد لحرب 1967، شهدت العديد من الأفلام الصهيونية، وأهم هذه الأفلام "الخروج " إخراج أوتو بريمنغر عام 1960، وهو يهودي صهيوني و"جوديت" إخراج دانيال مان عام 1964، وهو يهودي صهيوني أيضا وكل هذه الأفلام أمريكية، ومن نوع الانتاج الكبير.

يروي ويلي فريشاور قصة "الخروج" رواية، ثم فيلما، في كتابه عن حياة "اوتوبريمنغر"، فيقول أن الفكرة خطرت اولا في مخيلة دوري شاري كاتب السيناريو السابق، ورئيس مترو غولد وين ماير الذي كان معروفا لدى الكثيرين باعتباره " يهوديا محترفا "، فاستدعى ليون أوريس وقال له "عليك أن تكتب رواية درامية عن ميلاد إسرائيل " وتعهد بدفع تكاليف البحث، وشراء حقوق الرواية للسينما. وكان أحد الذين تحدث معهم أوريس حول الموضوع انجو بريمنغر شقيق أوتو الذي كان وكيلا في فترة من حياته.

يضيف فريشاور أنه بعد فترة من البحث الشاق، وافق أوريس على الذهاب الى اسرائيل. وقد استغرقت مهمته عامين. وبعد أن اجرى مئات من الأحاديث وسجل أميالا من الشرائط، كتب رواية قوية بعنوان "الخروج" مستلهما ماجاء في العهد القديم (سفر الخروج، 9: 13 )، كي يطرح مقولته: دع شعبي يذهب. اليهود هم الأبطال والأشرار هم البريطانيون الذين فرضوا الانتداب على فلسطين. وقد أوفى دوري شاري بوعده، واشترى الحقوق لمتروغولدين ماير. ولكن شركة مترو ترددت في انتاج الفيلم حتى لايضر بمصالحها في بريطانيا كما جاء في كتاب فريشاور، وكان انجو بريمنغر على علم بما يحدث، فلما اخبر أخوه أوتو بالمشاكل التي تعوق المشروع، قال له أوتو "اشتري الحقوق لي" ثم اتصل أوتو بريمنغر بصديقه القديم ماير ويسغال رئيس معهد وايزمان للعلوم في اسرائيل وسأله المساعدة في انتاج فيلم في اسرائيل، وأرسل اليه مخطوط الرواية.

قرأ ويسغال الروايو ووافق عليها، ووعده بريمنغر بأن يعطي حقوق العرض في اسرائيل لمعهد وايزمان، وكذلك دخل العرض الاول في كل مكان في العالم. وطلب منه أيضا القيام بدورين غوريون في الفيلم. وقد كان ويسغال هو صله الوصل الأساسية بين بريمنغر والحكومة الاسرائيلية. وقد استعان بريمنغر بالجنرال البريطاني فرانسيس رومي الذي اشترك في حرب 1984 بالفعل ليكون مستشاره العسكري. وقدمت الحكومة الاسرائيلية اليه من ناحية اخرى مستشارا بالفعل ليكون مستشاره العسكري. وقدمت الحكومة الإسرائيلية اليه من ناحية أخرى مستشارا رسميا هو الكولونيل غيرشون ريفلين الذي كان يحارب في صفوف " الهاجاناه ". وبدأ تصوير الفيلم يوم 27 آذار/ مارس سنة 1960 وانتهى بعد 14 اسبوعا بعد ان تكلف 2,5 مليون دولار.

ومن خلال تيدي كوليك الذي كان الذراع اليمنى لرئيس الوزراء بن غوريون، كما يقول فريشاور، والذي اصبح بعد ذلك عمدة القدس، كان بن غوريون على اتصال وثيق بتطور تصوير الفيلم في اسرائيل. وبعد التصوير في اسرائيل، تم مونتاج الفيلم في لندن، وتم التحميض والطبع في الولايات المتحدة، وقد وصلت أرباح الفيلم بعد العرض إلى 1 مليون دولار.

ويقول فريشاور أن الفيلم لم يلق قبول البعض في اسرائيل، كما أن راديو القاهرة وصفه من ناحية أخرى بأنه مؤامرة يهودية امبريالية، وفي رده على رفض بعض الإسرئيليين للعنف الزائد في الفيلم قال بريمنغر " لقد كان من الضروري إظهار العنف، ودولة اسرائيل لم تكن لتوجد بدون العنف، إن كل ثورة تحتاج الى نوع من الإرهاب أو العنف ".

وقال بريمنغر " إنني على استعداد للدفاع عن فيلمي "الخروج" ضد بعض كبار أعداء إسرائيل مثل جمال عبد الناصر .إنني على استعداد للجلوس معه لأستمع اليه لماذا يشعر بأن فيلمي غير منصف "، وقد استقبل بعض النقاد في أمريكا الفيلم بسخرية ."قال أحدهم إنه " ويسترن يهودي " أي فيلم "كاوبوي يهودي " وقال البعض الآخر أن فيلم "الخروج " أبوابا للخروج اكثر من أبواب فندق والدروف استوريا" !

ويقول منير صلاحي الأصبحي في كتابه "الحقيقة والرواية " عن رواية أوريس "اكسودوس " أو الخروج يبدو أوريس وكأنه يريد أن يكتب ملحمة عن الحركة الصهيونية وقيام دولة اسرائيل.

ولكنه بدلا من اتباع خطا هوميروس وفرجيل، فإنه بشخصياته الصهيونية الفائقة البطوله والعربية الفائقة النذالة لايتعدى مستوى أفلام الغرب من الدرجة الثانية التي انتجتها شركات هوليود في الثلاثينات والاربعينات. وهذا ناتج عن اندفاعه الى الدفاع عن الصهيونية وتبرير الاعمال الإسرائيلية بشكل يعميه عن رؤية الامور في نصابها الصحيح. وفي الحقيقة يبدو وكأنه لايستطيع أن يبعد تفكيره أثناء كتابته للرواية عن المجابهة الدائمة التي تصورها هذه الافلام بين الجنود الفرسان والهنود الحمر. فالصهاينة على سبيل المثال يوصفون في الرواية كمستوطنين رواد يأتون بالتحدث والتقدم الى "السكان الأصليين " العرب "العدائين "، وهو نفس الوصف الذي تستعمله الأفلام المذكورة في تصويرها للمهاجرين الى أمريكا في صراعهم مع السكان الأصليين ولإتمام الاستعارة، يصور أوريس الصهاينة بأنهم يكافحون من أجل "الاستقلال " من الاستعمار، شأنهم في ذلك شأن سكان الولايات المتحدة الأمريكية.

ويعتمد أوريس اعتمادا كبيرا جدا على الوصف التفصيلي للإضطهاد الذي لقيه اليهود في أوروبا وذلك في موالاته الرامية الى اكتساب عطف قرائه وتأييدهم للصهيونية. وعلى الرغم من أن تصويره للمعاناة اليهودية مؤثر في بعض الأحيان فإنه لايغفر أو يبرر استعماله لهذه المعاناة كسلاح عالمي يستعدي به قراءه ضد العرب، الذين لم تكن لهم يد في تلك المعاناة. وحماس أوريس الزائد للقضية الصهيونية يوقعه في عدة تناقضات إذ بين حججه التي يدافع فيها عن الموقف الصهيوني، يعطي ثقلا كبيرا للحجة القائلة بضرورة تأمين وطن للاجئين اليهود الذين شردتهم الحرب العالمية الثانية. ولأنه في نفس الوقت ينكر أي حق للاجئين الفلسطينيين في العودة الى وطنهم قائلا: إن من طبيعة الحرب الأساسية ان تسبب تشريد الأشخاص وجعلهم لاجئين".

أما فيلم "جوديت " الذي أخرجه دانييل مان عام 1964 عن قصة للكاتب البريطاني لورانس داريل، فيروي قصة جوديت (صوفيا لورين)، وهي يهودية نمساوية، يتم تهريبها الى فلسطين لتساعد فرقة صهيونية يرأسها أرون (بيتر فينش) في اقتفاء اثر زوجها السابق، جوستاف شيللر الذي كان نازيا فيما مضى. ويهدف هذا الفيلم الى تحقيق نفس الأهداف التي نجدها في الأفلام الصهيونية السالفة الذكر، مع اضافة هدف عام وجديد يعتبر من السمات الخاصة لسينما الصهيونية بعد انشاء إسرائيل، وهو الادعاء بأن العرب المعاصرين يمثلون في عدائهم لإسرائيل الإمتداد الطبيعي لألمانيا النازية في عدائها لليهود! وهي مقولة تحمل كما هو بديهي مغالطات عديدة إبتداء من حقيقة أن النازيين كانوا ضد اليهود والعرب معا أي حقيقة أن العرب إنما يدافعون عن أنفسهم ضد الغزو الصهيوني وإنهم المعتدى عليهم، وليسوا المعتدين. ولكن الفكر الصهيوني، إذا كان ثمة فكر يسمى صهيوني، يرتكز على مجموعة من المغالطات التاريخية والسياسية.

ومن الأفلام الصهيونية التي سعت إلى تحقيق نفس اهداف "جوديت" الفيلم الفرنسي" ساعة الحقيقة" إخراج هنري كاليف عام 1964 " ويروي قصة ضابط نازي يتنكر في شخصية يهودي يذهب الى اسرائيل بأوراق مزيفة. وهناك يكتشفه باحث اجتماعي ذهب هو الآخر الى إسرائيل, لوضع دراسة عن الناجين من معسكرات الإعتقال النازية.

وفي عام 1966 عرض الفيلم الأمريكي الصهيوني " الظل العملاق " إخراج ميلفيل شافلسون، وقد أصدر شافلسون كتابا عن تجربته في صنع هذا الفيلم بعنوان " كيف تصنع فيلما يهوديا " عام 1971. ويعتبر الفيلم، وكذلك الكتاب، نموذجين لدراسة الدعاي الصهيونية.

يقول شافلسون في كتابه "عندما جاءت الفرصة لصنع فيلم في إسرائيل شعرت أنني أستطيع التخلص من الذنب بصنع شيء ما من أجل هذا البلد الصغير الشجاع "بلد أجدادي" وكما جاء في كتاب فريشاورعن فيلم "الخروج " يصور شافلسون صنع فيلم اليهود، أو عن إسرائيل، وهو يخلط بينهما بالطبع، وهذا أمر مستحيل في هوليود، فيقول "عندما قررت مترو التخلي عن صنع فيلم عن كتاب عن حياة الكولونيل دافيد ماركوس, وعرض علي شراء الكتاب، ذهبت الى بارامونت فقالوا لي ومن الذي يريد رؤية فيلم عن جنرال يهودي، ووقتها قررت شراء حقوق الكتاب لنفسي "ويقول شافلسون أن مترو تخلت عن المشروع لأن "عملاء الحكومة المصرية هددوا بإغلاق دور السينما التابعة للشركة في كل العالم العربي لو اقدمت على صنع فيلم.

وقد وضع شافلسون قصة الفيلم تحت عنوان "معالجة لقصة ميكي ماركوس الذي مات من أجل إنقاذ القدس " ووصلت به الوقاحة الصهيونية إلى الادعاء بأنها "ليست قصة يهودية "، لأن ميكي ماركوس "كان أميركيا أولا وأخيرا ودائما، لقد كانت لديه تلك النزعة الأمريكية إلى إنصاف المظلومين وربما كان سيقاتل نفس القتال الى جانب أي مظلومين يطلبوه ".

أما عن حقيقة الفيلم بعد أن رفضته شركة مترو، فيقول شافلسون أن المنتج هارولد ميريش أقنع شركة يونيتد أرتست بتمويل على أساس أنها لاتملك دور سينما في الوطن العربي، ويقول " وإنه لما تفخربه يونيتد أرتست أنها كانت الشركة الوحيدة التي وافقت على المخاطرة بتمويل فيلم كبير عن إسرائيل في ذلك الوقت ".

وسافرشافلسون إلى إسرائيل مع مدير الإنتاج نات أدواردز في تشرين الثاني، نوفمبر عام 1964، وبدأ تحضير الفيلم الذي استغرق 7 شهور من أجل تصوير 8 اسابيع ومرة أخرى تعين الحكومة الإسرائيلة الكولونيل غيرشون ريفيلين مستشارا عسكريا للفيلم، وهو نفس الكولونيل الذي عينته لفيلم "الخروج" ويقول شافلسون أن غيرشون هو المؤرخ الرسمي للجيش الإسرائيلي".

ويقول شافلسون: أن العرب باعوا الأسلحة اليهودية في حرب 1984 لأنها كانت متوفرة لديهم بكثرة، ولم يكونوا يعرفون كيف يستخدمونها! وتصل عنصريته إلى ذروتها عندما يقول " لقد كان أكثر الأشياء قيمة في مصر في ذلك الوقت، ليس المسدس، أو الدبابة، أو البندقية وإنما الهيروين! ثم يستدرك قائلا " ولكني قررت ألا أضمن هذه الحكايات في السيناريو لأنها بدت غير معقولة " وهذا التراجع لا يؤكد للقارئ كذب هذه الحكايات، وإنما يوحي إليه بصدق المؤلف.

ويقول المخرج الأمريكي أنه طلب من اسحق رابين تعاون الجيش الإسرائيلي لإنتاج الفيلم، فوعده بالتعاون، ولكن بعد قراءة السيناريو، ثم يقول "كانت اسرائيل تقاتل من أجل حياتها كالعادة كيف يمكن أن يذهب الجنرال رابين الى الكنيست، ويطلب اموالاًََ إضافية للجيش حتى يساعد هوليوود الفقيرة المسكينة لعمل فيلم، في الوقت الذي ينكر فيه الكنيست ان تقدم هوليوود المزيد من التبرعات لإسرائيل. وفي هذه اللحظة اقترح جيرشون أن تتولى وزارة الدفاع تقديم كل ما نحتاج اليه مقابل التكاليف الفعلية، وبالتالي لايحتاج الأمر الى العرض على الكنيست، أو موافقته".

ويذكر شافلون أن الجيش الإسرائيلي وافق على السيناريو. بعد تغيير البداية، و 31 نقطة تفصيلية أخرى. كما وافق على أن يشترك في التصوير 800 جندي لمدة 3 أيام فقط 6 و7 و8 حزيران /يونيو عام 1965. وأن عدد العاملين في الفيلم وصل الى 125 قتيلا من أمريكا وإنجلترا وإيطاليا، و 34 ممثلا وممثلة من أمريكا واليونان وإسرائيل الى جانب حوالي ألف كومبارس و"رغبتي الخاصة في إنتاج تحفة كان الممكن أن يقدمها شكسبير لو أسعده الحظ وولد يهوديا " !

وصوة العرب في فيلم "الظل العملاق" ممثلا في الشيخ المسمى أبو ابن قادر صورة عنصرية بشعة، فهو في خيمة مع الراقصات شبه العرايا، ويأكل الثريد بيديه مثيرا اشمئزاز ميكي. كما أنه يرشد الجيش الإسرائيلي كيف يقتحم القدس. ويقول شافلسون في كتابه" إن استخدام الشيخ العربي على هذا النحو كان من أفكاري، ولكن هناك حقائق أساسية حول الموضوع "!. وعن معركة الفالوجا يقول المخرج لقد هاجم الجيش الإسرائيلي الفالوجا ست مرات، ولو كانوا يعلمون من هو جمال عبد الناصر لهاجموا المرة السابعة... ويقول "لقد حاول العرب لآلاف السنين أن يزرعوا الصحراء، ولكنهم فشلوا... ويصف إسرائيل قائلا" هنا حيث يعمل الجميع من أجل الصالح العام. حيث من له معنى صغير، حيث لا مسافات بين الطبقات، إنها نوع من اليوتوبيا"!

وقد اشترك في تمثيل الفيلم إلى جانب دوجلاس الذي يصفه شافلسون بأنه "يهودي قبل أن يكون ممثلا" بول برينر في دور أحد القواد العسكريين وفرانك سيناترا في دور طيار أمريكي متطوع والممثل اليوناني ستاتيش جياليس في دور قائد البالماخ ايجال الون، وأنجي ديكنسون وسينتا بريجر من نجوم هوليوود. وبينما يتم التصوير الخارجي في إسرائيل إبتداء من 18 أيار/مايو عام 1965. تم التصوير الداخلي في استوديوهات مدينة السينما بروما. وسجل الصوت في استوديوهات هرتزليا الإسرائيلية التي أقيمت عام 1963. وقام بتأليف الموسيقى التصويرية للفيلم الأمريكي الزبونستين.

رغم هذا كله يعترف شافلسون بأن الفيلم لم ينل استحسان النقاد بل هاجموه بقسوة، وقد وقف الجمهور- وهو الحكم الأخير- إلى جانب هؤلاء النقاد، وابتعد عن الفيلم. ولذلك، فالمرة الثانية: أيها السادة، لن نكون في القدس. وهو ختام خفيف الظل لمخرج ثقيل الظل يحاول به أن يخفف رفض الجمهور والنقاد للفيلم. وهذا الرفض على اية حال يؤكد أن السينما الصهيونية العنصرية الفاشية بقدر ماهي خطيرة، بقدر ماهي فاشلة ورديئة.

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5421&page=3171&l=ar

صورة العربي في الغرب

صورة العربي في الغرب

مما لا شك فيه أن ظاهرة التعصب الحضاري، لازمت عصور التطور التي مرت على مختلف الحضارات الانسانية القديمة والمعاصرة، وإن كانت هذه الظاهرة ترتفع أو تنخفض بين مكان وآخر. ومنذ أن تفرعت العلوم . وغالباً ما كانت تخالط هذه الصورة أو تتداخل معها العوامل السلبية أو الإيجابية التي تسم العلاقات بين شعبين، وهي بأي حال عوامل تخرج من رحم المصالح الذاتية أو المشتركة لهذين الشعبين وتتصف بالآنية أو الوقتية.

عادل علي

الانسانية عن الفلسفات الوضعية القديمة، ظهر اتجاه بين عدد كبير من المفكرين والمثقفين ووصل إلى بعض السياسييين، لدراسة المكونات السلوكية النفسية والاجتماعية والاقتصادية والعقيدية توصلاً إلى رسم صورة عن شخصية شعب ما من الشعوب

تؤكد هذه المسألة مقولة هامة تدخل في إطار علم النفس الاجتماعي وعلوم الأنماط الاجتماعية وهي أن (النسبية) تقوم مقام العدسة في الآلة التي تستخدم لالتقاط صورة عامة أو تفصيلية لشخصية شعب من الشعوب. فلا مكان على الاطلاق لتحكم الأفكار النمطية الثابتة في رسم هذه الصورة. إذ، هل يمكن تجاهل التطور التاريخي الذي لابد وأن يمر به كل مجتمع من المجتمعات،

وهل يجوز إسقاط المستجدات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية عند رسم الصورة الشخصية لأي شعب؟ وهل من المعقول إهمال التحولات السياسية التي تفرض نفسها على كل شعب، في كل مرحلة تاريخية؟

ـ مسؤولية الغرب:

على العكس تماماً من هذه القواعد، تشكلت صورة (العربي) في ذهنية الغرب. منذ قرون عدة رسم الغرب صورة ذهنية معنوية سيئة عن العرب، محكومة بنمطية ثابتة، جامدة، لا تاريخية، ولا متبدلة، كانت نتيجة أساسية من نتائج الحروب الصليبية وما رافقها من صراعات دموية زادت الحقد في النفوس. ثم أسهم في إبراز خطوطها، علاقة الاحتكاك الدائم بين العرب والغرب من خلال السيطرة الاستعمارية الغربية، حيث شهدت المنطقة العربية ثورات عدة ضد المستعمرين الغربيين، أدت في مرحلة من المراحل إلى إجبارهم على حمل عصيهم على كواهلهم والرحيل عن هذه الأرض كاظمي الغيظ.

ثم استمرت حركة الصراع القومي العربي والعنصري الصهيوني في المنطقة، فزادت بمداخلاتها الغربية الاستعمارية الحديثة، وبالحرب النفسية والدعائية الصهيونية ضد العرب من قتامة صورة (العربي) في ذهنية الغرب.

ـ المنطق الأوروبي:

يتميز التعصب الحضاري الغربي ضد العرب، بنهجين يبسط كل منهما منطقه على رقعة من العالم الغربي.

النهج الأول، يبرز في أوروبا، حيث تكونت الصورة السيئة للعرب فيها، منذ العصور الوسطى، بتأثير من ثلاث تيارات بلورت الفكر والسياسة في أوروبا:

1 ـ الاتجاه الانساني البرجوازي، الذي يجهد في تقديم المبررات لمشروعية السيطرة الحضارية على (الآخر) ـ أي ما يسمونه الشعوب المتخلفة ـ ، انطلاقاً من النظرية التي يعتمدها، والتي تقول بأن الناس متساوين ولكنهم ليسوا متشابهين.

2 ـ الاتجاه الماركسي، وهو من خلال إغفاله للعوامل غير الاقتصادية في صياغة السلوك الانساني، قصّر في فهم الصورة القومية للعرب، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تدرس على ضوء بعض المقولات الماركسية المحددة كموضوعة (النمط الآسيوي للإنتاج) أو (التكوينات قبل الرأسمالية( فالمجتمع العربي عموماً، لم يمر بالمراحل التقليدية التي حددتها الماركسية للتطور بدءاً بالمشاعية البدائية مروراً بالمجتمع العبودي فالمجتمع الإقطاعي فالرأسمالية فالاشتراكية.

3 ـ الاتجاه البنيوي، الذي أقر بتنظيم الروابط الاجتماعية التي يصطنعها الناس في مجتمعاتهم المختلفة، وبالتالي أعاد القيمة المعنوية نسبياً للعقليات غير الغربية، حيث تبلورت نظرة شبه موضوعية (للآخر)، وهو هنا كل ما هو منتم للعالم الثالث ومنه العرب.

ـ مؤثرات الاستشراق:

وعلى أي حال، فإن الأثر الأكبر لتحديد النظرة القريبة نحو العرب، ساهمت به حركة الاستشراق بمختلف مراحلها وتوجهاتها. فقد صاحب الاستشراق الغربي الحركة الاستعمارية الغربية وكان ملتزماً أميناً بتوجهاتها العسكرية ومصالحها السياسية والاقتصادية ومخططاتها التبشيرية، على الرغم من ارتفاعه إلى مستوى الفعل الثقافي، وبالتالي فإن المستشرقين عندما اضطلعوا بمهمة نقل صورة العرب، نقلوها بما يتوافق مع السياق الذي سارت به الحركة الاستعمارية انطلاقاً من الحملات الصليبية.

وبالرغم من محاولات البعض التقليل من مساوئ حركة الاستشراق، فإن دراسة إحصائية فرنسية، تظهر أن صورة العرب السيئة عند الشعوب الأوروبية كوّنها الرحالة والصحفيون الغربيون الذين زاروا المنطقة العربية في العقود الأخيرة. إلى جانب ذلك، فإن نظريات الانتروبولوجيين الأوروبيين، انطلقت أساساً من النتائج التي صاغها تيار الاستشراق. فالانتروبولوجيا بمختلف مراحلها ومدارسها (وهي رؤية الغربي للآخر الذي يجري استكشافه تمهيداً لاستعماره) ظلت إلى وقت كبير تعتمد على مركزية ثابتة لا تتغير في نظرتها الامبريالية إلى العرب، إلى أن ظهرت في أوروبا بعض الدراسات النقدية بمؤثرات غير غربية.

ـ صورة العربي في أوروبا:

ما هي معالم صورة (العربي) في المعجم الأوروبي ـ الدول الأوروبية الغربية ـ ، الذي يجري اعتماده في الوقت الراهن؟

يصف الأوروبيون العرب بأنهم كسالى، يعانون من القصور الأخلاقي، ويتسمون بالعقم الفكري والضحالة الذهنية، وهو ما يستخلص من كتابات الصحف الأوروبية والصور الكاريكاتورية التي تنشرها عن العرب.

يلخص (بول بالتا) وهو أحد المفكرين الغربيين، نظرة مواطنيه إلى العرب، بالقول إنهم يعتبرونهم (بلا ماض ولا تقاليد، ولا تاريخ، وكأنه ليست لهم حياة يمارسونها، ولا مستقبل يعيشون لتحقيقه. وتصور كتب التاريخ المدرسية الغربية قيام (شارل مارتل) بصد القوات العربية عام 732 في معركة بواتييه، بأنه انتصار على البرابرة دون أي إشارة للإنجازات الحضارية التي نقلها العرب إلى أوروبا.

ويتداخل هنا الماضي بالحاضر حين ينسحب الموقف الغربي من الصراع العربي-الصهيوني، وهو موقف متأثر بالدعاية الصهيونية، إلى تحديد الموقف من العرب. فإحدى الصحف الألمانية الغربية علّقت على الفدائيين الذين قاموا بعملية (ميونخ) عام 1972م بقولها: (هل هؤلاء آدميون)؟

ومجلة أوروبية أخرى كتبت تحليلاً تعتبر فيه أن الاستعمار الجديد يتمثل بالعرب. وواضح هنا، أن خلفيات التحليل تتمثل بامتلاك العرب للقوة النفطية، والتي يصفها المواطن الغربي بأنها نعمة لا يستحقها العرب، وتعتبرها الدوائر الاستراتيجية الغربية ـ الأوروبية والأمريكية على السواء ـ بأنها ثروة عالمية لا يحق للعرب الانفراد بتملكها وتوجيه دفة استثمارها وتسويقها.

وعلى هذا الأساس، فإن الحظر البترولي العربي على الغرب، أو التلويج المشروع باستخدام سلاح النفط في معركة قومية عادلة، يسمى في الغرب (الابتزاز البترولي العربي)، وكأنه لا يحق للعرب استخدام قواهم الذاتية لاسترداد حقوقهم لاشرعية.

إضافة إلى ذلك، فإن كل العمليات التي ينفذها العرب ضد منشآت أو أشخاص إسرائيليين توصم بأنها إرهابية والذين قاموا بها إرهابيون، في وقت تنفذ بحق العرب أبشع المجازر التي لم يشهد لها القرن العشرين مثيلاً.

ـ صورة (العربي) في أميركا:

أما في القارة الأمريكية، فإن قتامة صورة العربي والعرب تزداد سواداً، مع ازدياد تأثير الدعاية الصهيونية المضادة، وتجذر الخط الانتروبولوجي الاستعماري ذو الخصائص الأمريكية المميزة.

ويمكن في هذا المجال، استقراء نموذجين للعربي في القارة الأمريكية، الأول في الولايات المتحدة الأمريكية والثاني في كندا.

ففي عدد من الدراسات التي أجراها باحثون عرب حول صورة العربي في الكتب المدرسية الثانوية الأمريكية سجل الباحثون عدداً من القواسم المشتركة حول صورة العربي في أميركا، ويمكن تلخيصها بالتالي.

أولاً: عند مناقشة عناصر الصحراء في الكتب المدرسية الأمريكية، يؤكد مؤلفو تلك الكتب منجزات إسرائيل ويتجاهلون منجزات العرب في تغيير الصحراء. ويغالون في إبراز البداوة كأهم العناصر في الوطن العربي، مع تأكيد العناصر السلبية البدوية كعمليات الإغارة والسلب دون ذكر للأمانة وكرم الضيافة، وإغفال أي تقدم حاصل في أوساط البدو.

ثانياً: تأكيد فقر المزارعين العرب وتصوير المدن العربية بأنها تزخر بالعاطلين عن العمل مع قلة من أصحاب الملايين يركبون السيارات الفارهة. وتصوير المدن والقرى العربية على أنها مليئة بالملايين من الذباب والموبئات، وإغفال ذكر معالم العمران والفن.

ثالثاً: معالجة الاسلام بطريقة هزيلة، وتصوير بعض الشعائر الاسلامية بشكل غريب ومستهجن، وعند الحديث عن المعتقدات الاسلامية، يجري التركيز على الترخيص بتعدد الزوجات والرق دون استيعاب لموقف الاسلام الحقيقي من هذين الموضوعين. وكذلك الحديث عن النزعة العسكرية في الاسلام على اعتبار أن هذا الدين انتشر بقوة السيف، دون النظر إلى مبدأ الإقناع الذي التزمه الاسلام.

إضافة إلى ذلك، تصوير المرأة المسلمة المحجبة بأنها ومحرومة من تقرير مصيرها وتحصيل العلم.

رابعاً: إظهار إسرائيل بأنها البلد الديمقراطي والمتقدم الوحيد في بحر من البلدان العربية والاسلامية، مع إظهار صورة العرب المتخلفة غير القادرة على اللحاق بالتقدم الإسرائيلي.

والجدير بالذكر أن هذه الصورة التي ترسمها الدراسات الأمريكية عن العرب، أمكن إحصائها خلال مرحلة السبعينات وما قبلها، ومع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات كانت صورة العربي في الذهنية الأمريكية أكثر بشاعة وقساوة.

وقد لخص أحد التقارير ملامح هذه الصورة، من خلال دراسة إحصائية لما بثته وسائل الإعلام الكندية، المقروءة والمسموعة والمرئية، ـ وهي نسخة طبق الأصل من وسائل الإعلام الأمريكية.

لقد بثت شركات التلفزة الكندية خلال هذه الفترة، مجموعة من المسلسلات الأمريكية الصنع التي عنيت (بتوصيل) صورة (العربي) إلى المشاهد الغربي. ومنها:

ـ مسلسل (فيجاس) وهو من البرامج الأكثر شعبية، يصور العربي على أنه شيخ متعجرف تحيط به مجموعة من الحاشية الفاسدة.

ـ وفي مسلسل (ذي كوديز) الذي بثته شركة (سي.بي.اس) في آب 1979م، يلعب دور المجرمين رجال يرتدون الزي العربي وهم يصرون على رفع أسعار النفط.

ـ وفي معركة نجمة كالكيتكا) الذي بثته شركة (أي.تي.في) في آذار 1979م، يقدم البرنامج الاشرار، على أنهم حلفاء من البدو للنازيين، وفي زي العرب.

ـ وفي مسلسل (الجميع في العائلة) تتساءل إحدى شخصيات المسلسل عما إذا كان القاتل (هو موسابين) عربياً ـ الاسلام لا علاقة له بالعرب أو اللغة العربية.

ونفس هذا المنحى، يظهر في مجموعة أخرى من البرامج التلفزيونية ومنها: (اليس) و(حاول أن تكون ذكياً) و(الرجل الخارق) و(المركز الطبي) و(جزيرة الإعلام) و(هاواي خمسة) و(كولومبو)

إن الرجل العربي في هذه المسلسلات والبرامج، يظهر دائماً قبيح الشكل، صاحب أنف معقوف يضع نظارتين سوداوين، وهو محترف للذة أو للغنى. أما المرأة العربية، فهي من الحريم، أو مجرد راقصة أو وسيلة للجنس.

ومما يذكر أنه خلال شهري نيسان وآيار من سنة 1978م، عرض التلفزيون الكندي إعلاناً رسمياً يدعو إلى التخفيض من استهلاك الطاقة، وقد توسل الإعلان الشخصية العربية في زي تقليدي، مع إضافة لمحات شيطانية إليها، تسرق المال عن طريق الاغتصاب وابتزاز الآخرين، وذلك بهدف دفع المواطنين إلى التخفيض من استهلاك الطاقة.

وفي برنامجها المشهور (كما يحدث) أسمت مقدمة البرنامج (برباره فورم) القادة العرب الذين زارتهم ملكة بريطانيا عام 1979م، بأنهم (السيفرز).

وهذه الكلمة بحسب تعريف قاموس أوكسفورد تعني (أشخاص تافهون لا قيمة لهم)، بينما يعرفها قاموس وبستر على أنها (الذي لا وزن له ولا قيمة ولا تأثير، وبنفس المناسبة، تحدثت المذيعة بسخرية عن العرب (9 شباط 1979م) عندما أشارت إلى (الشرف عند العرب الذين يأكلون أعين الغنم من الماشية).


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5434&page=3171&l=ar

الصورة الفلسطينية في وسائل الإعلام الكندية وأثرها السياسي

الصورة الفلسطينية في وسائل الإعلام الكندية وأثرها السياسي

بقلم: الدكتور اسماعيل زايد/ كندا

الإنسان هو صورة مركبة من ردات فعل مختلفة بعلاقاته مع الآخرين، وتتشكل ردات الفعل هذه من تداعي الصور والأفكار، كما أن هذه الأفكار عادة ما تقوم على ما نتصوره من انطباعات ثم نجسدها على أشكال مفرحة وغير مفرحة بنسب مختلفة معتمدين في ذلك على استقرار هذه الأشكال وتكرارها وحساسيتها، والأصغر سناً هم الأكثر حساسية وتأثراً، كما أنه من المسلم به أن الصور المرئية لها التأثير الأكبر، وهكذا فإن التلفزيون، بواسطة الصور المرئية ودرجة التكرار، يلعب الدور الأهم في تقديم الرواية للمشاهدين خصوصاً للأطفال منهم.

وفي ضوء ذلك نرى أهمية الصورة العربية وفسادها في وسائل الإعلام الكندية ووسائل إعلام الولايات المتحدة، والفلسطيني، قبل كل شيء، هو عربي، وصورة العربي في وسائل الإعلام الكندية تتطابق مع صورة الفلسطيني كما تتطابق مع العرب الآخرين، ومن المهم التأكيد، في بداية الكلام، على أن كثيراً مما تعرضه وسائل الإعلام الكندية هو امتداد لما تبثه محطات التلفزة الأمريكية ووكالات الأنباء وكذلك هوليود.

ويعاني العرب الكنديون من حملة مستمرة جائرة في كل وسائل الإعلام الكندية، مما يجعل علاقاتهم بزملائهم الكنديين صعبة للغاية، هذا إن لم تكن عميقة الجرح معنوياً، وهو أمر يسبب دماراً كبيراً للشباب في علاقاتهم مع الأطفال وكذلك لأشكال تصوراتهم الشخصية، ونتيجة هذه الحملة القاسية هي انحياز ضد العربي وضد كل ما يمثله ويرمز إليه، وإضافة إلى تأثيرات هذه التشويهات على العلاقات الشخصية اليومية، فهي تؤثر وبدرجة كبيرة على المسائل السياسية المرتبطة بالعرب والوطن العربي.

دعونا نتفحص بينات من عملية صنع هذه الصورة في المجالات المختلفة لوسائل الإعلام، إن وسائل التلفزة هي الأكثر جوراً بين الوسائل جميعها، ولذلك فهي تقدم مثالاً حياً لهذه الحملة العدائية، ومع أن الأخبار التي يقدمها التلفزيون تشارك بشكل ملموس في صنع هذه الصورة السلبية، إلا أن البرامج الترفيهية هي الأكثر مساهمة في تقديم صورة مغلوطة عدائية وعنصرية، فكثير من المسلسلات التلفزيونية تقدم العربي على أنه زعيم الأشرار وان مسلسل " فيجاس " هو من البرامج الأكثر شعبية، يصور العربي على أنه شيخ متعجرف تحيط به مجموعة على الحاشية الفاسدة والتي لا تقل قبحاً عنه.

وفي "ذي كوديز " (C.B.C، آب 1979)، يلعب دور المجرمين رجال يرتدون الزي العربي وهم يصرون على رفع أسعار النفط. وفي "معركة نجمة كالكيتكا" (A.T.V، 11 آذار 1979) يقوم البرنامج على تقديم الأشرار على أنهم حلفاء من البدو النازيين، وفي زي العرب. وفي مسلسل "الجميع في العائلة" تتساءل إحدى الشخصيات، بول بنيامين، بينه وبين نفسه إن كان "هوموسابين هو القاتل؟"، فيرد أديث بانكر، وهو شخصية ثانية، مستفسراً إن كان هوموسابين عربيا؟ لقد درج التلفزيون على تقديم العربي بشكل سلبي وهذا ما حصل في مسلسلات "أليس" و "حاول أن تكون ذكياً" و "الرجل الخارق" و "المركز الطبي" و "جزيرة الاعلام" و "هاواي خمسة" و "كولومبو".

إن هذا قليل من كثير، إن الرجل العربي هو دائماً صاحب أنف معقوف يضع نظارتين سوداوين ويقدح الشرر من عينيه. وإذا بدأ شبه مهذب فلأنه شبه ذكي. وهو في كل الأحوال إما يجر وراءه جملاً أو أنه محترف للذة وغني إلى درجة مثيرة للاشمئزاز من غير أن يستحق ذلك.

والمرأة العربية ليست أحسن حالاً. فهي عادة من الحريم، وعندما تكون محظية فهي ترتقي إلى راقصة أو وسيلة للجنس. وباختصار، فليس هناك عرق في أمريكا الشمالية عومل بازدراء واحتقار من قبل وسائل الإعلام كما عومل العرق العربي. هل كان بمقدور أي مخرج أن يخضع مجموعة عرقية أخرى إلى هذا النموذج المشوه؟ وهل نحتاج إلى تقدير ما يمكن أن يحل بهذا المخرج لو تجرأ وعرض صورة مشوهة عن اليهود؟

إن الصورة المشوهة لعرق ما غالباً ما تكون مكررة على المستوى الشخصي. وبالإضافة إلى برامج التسلية فهناك البرامج الرمزية. إن التكرار الدائم على تشويه عرق يصبح أمراً طاغياً. ولقد كتب ماك جرينفيلد في هذا الخصوص في مجلة "نيوزويك". كتب يقول "هناك حلقة مفرغة، ومعيبة من العمل هنا. إن الكاريكاتير معيب. وهو يستوحي انطباعاً قديماً كان مقبولاً، في الماضي. أعني به الافتقاد إلى معرفة ماهية العرب وحقيقة ماضيهم".

وتصبح البرامج الإذاعية وبرامج التلفزيون منصفة بالمقارنة مع تغطية الأخبار وبرامج الأحداث اليومية، فكثيراً ما نرى عند هجوم "إرهابي" فلسطيني (وهي الصفة التي تعطى لهذه الأعمال) نحيب المفجوعين من أقارب اليهود الضحايا ونرى كذلك تفاصيل عاطفة الزوجة والأم. ولكننا لا نرى أثر الغارات الإسرائيلية (أعمال انتقامية، بلا شك!) والأمهات المفجوعات الباكيات. فليس لدى العربي عواطف أو مشاعر. وليس لخسارته أي أثر على أحد آخر.

والنتائج السياسية لهذا التشويه العرقي شديدة الوضوح. فالفلسطيني، بالنسبة للرأي العام الأمريكي الشمالي، يفتقد أي شعور إنساني، وعليه فإن الغارات الإسرائيلية مشروعة، كما أن استعمال الأسلحة المحرمة من قبل الإسرائيليين مثل القنابل العنقودية وقنابل النابالم الحارقة تمر من غير اكتراث. وتزويد إسرائيل بمزيد من الأسلحة لا يحتاج إلى تبرير.

وعلى المسرح السياسي للإذاعة الكندية نكتشف صورة صاعقة من أول نظرة ومن غير إيحاءات مسبقة. ولقد حاولت أن أقوم بذلك، وأنا أحمل شعوراً على أنه من مسؤولية الإذاعة الكندية في برامج الأخبار وبرامج الأحداث اليومية، ان تقدم للرأي العام الكندي تقارير إخبارية غير منحازة وموضوعية، مما يتيح للكنديين أن يشكلوا أحكاماً واعية، وبالانطلاق من هذه الأرضية، فلقد توصلت إلى النتيجة ذاتها التي من المؤكد أن كل ذي عقل سيتوصل إليها، ألا وهي، إن أجهزة الإعلام الإذاعية في كندا تقوم بعملية ثابتة من التحريض ولنبدأ ببعض التسهيلات الإذاعية بشكل منفصل، وسيكون التركيز على وسائل الإعلام المحلية المقامة في هاليفاكس ونوفاسكوتا. وهي في كل الأحوال لا تختلف عن أي تجربة في أي مكان آخر من كندا.

هيئة الإذاعة الكندية (C.BC)

1- تقارير إخبارية: في عملية تقارير موضوعية من الأخبار، هناك اتجاه لإضافة النتائج العاطفية وكسب المزيد منها إلى جانب الإسرائيليين، وغالباً ما يكون ذلك عن طريق تقارير مجتزأة أو مشوهة أو ناقصة، وعندما يقوم الفلسطينيون بعملية من نوع القيام بتفجير أو إلقاء قنبلة يدوية، توضع هذه العملية كخبر رئيسي وتوصف على أنها عمل إرهابي جبان وقذر مع تفاصيل وافية عن قتل الأطفال، وعلى الجانب الآخر، عندما تقوم القوات الإسرائيلية المسلحة بالغارة على المخيمات الفلسطينية، والقرى اللبنانية المسالمة مستخدمة أكثر الأسلحة تعقيداً ومسببة قتل عشرات وربما مئات من الرجال والنساء والأطفال، فهي أعمال توصف بأنها انتقامية، ونادراً غير ذلك، ودعوني أعطي مثالين على ذلك.

صباح يوم الثاني من كانون الأول 1975، قامت القاذفات الإسرائيلية بإلقاء صواريخها على المخيمات الفلسطينية جنوبي لبنان تاركة أكثر من مائة ضحية ومئتين من الجرحى معظمهم من النساء والأطفال، ولقد تداولت ذلك معظم وسائل الإعلام في العالم وندد به السكرتير العام للأمم المتحدة في اليوم ذاته، إلا أنه عند الساعة 11 مساء (حسب التوقيت الأطلنطي) سمعنا خبر هذه المذبحة الجماعية من هيئة الإذاعة الكندية والبرامج التلفزيونية على الوجه التالي حرفياً "قتل اليوم سبعة وسبعون شخصاً على الحدود بين إسرائيل ولبنان"، هكذا حرفياً، هذا المثال على التشويه المتعمد والمخيف، ولم يكن من الممكن معرفة الضحايا أو معرفة الذين قتلوهم وكيف، انه مثل حقيقي عن درجة احتقار الإنسان الفلسطيني والمرأة والأطفال الفلسطينيين.

وفي يوم 22 كانون الثاني 1979 وقع انفجار كبير في مدينة بيروت، من المعتقد أن الذين كانوا وراءه هم الإسرائيليون، مما تسبب بمقتل قائد فلسطيني (قيل أنه من المسؤولون عن عملية ميونيخ) بالإضافة لعدد من المارة، لم تذكر كلمة "إرهاب"، إلا انه بعد مضي ستة أيام (28 كانون الثاني) وقع انفجار في مدينة نتانيا في إسرائيل، مما تسبب بمقتل شخصين إسرائيليين، ولقد وصف العمل على انه هجوم "إرهابي".

2- أفلام أو تقارير وثائقية: وهي كذلك تحابي وجهة النظر الصهيونية، وكمثال، يمكن إيراد برنامج بعنوان "الاتصال الروسي" وهو برنامج قدم بكثير من الاعتزاز من هيئة الإذاعة الكندية، المقاطعة الخامسة، يوم 25 أيلول 1979، والبرنامج هو صورة من التشويه المضخم والتحامل والافتراء، ويتكلم عن "إرهاب" منظمة التحرير الفلسطينية من غير أن يشير إلى إرهاب نزع الأراضي، وهو أكثر أشكال الإرهاب عنفاً، الذي يمارسه الصهيونيون على الفلسطينيين عن طريق اقتلاعهم من منازلهم، هذا إذا لم نذكر المجزرة التي ارتكبها الإرهابي الكبير مناحييم بيغن وكل قادة إسرائيل وهي المجزرة التي لا زالت مستمرة حتى الآن منذ 1948.

تعرض بشكل مؤثر ومتقن مشاعر المأساة التي تعانيها الأم الإسرائيلية المفجوعة، غير أن أمهات المئات من الفلسطينيين والأطفال اللبنانيين الذين يقتلون يومياً، بسبب الغارات الإسرائيلية، فهم بلا عواطف ولا أحاسيس، فهي تروي إرهاب عبوة من "ت . ن . ت" وضعها رجل من منظمة التحرير، لكن إرهاب قنبلة عنقودية تسقط فوق مخيم فلسطيني أو قرية لبنانية ليست جديرة بالذكر.

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5428&page=3171&l=ar

العرب في مواجهة خطر السينما الصهيونية

الرؤية الأمريكية لإسرائيل

محمد السعيد إدريس

باحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية.

مقدمة

في البيان المشترك الذي صدر عقب زيارة الرئيس الأمريكي السابق نيكسون عام 1974 لإسرائيل وصفت العلاقة التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل بأنها "علاقة فريدة". ولقد دفع هذا الغموض الكثير من الكتاب والباحثين إلى إطلاق أحكام على هذه العلاقة لا يمكن أن تكون هناك أحكام اشد منها تناقضا منها, فهناك من يصفها بأنها علاقة سيطرة تمارسها الصهيونية على الولايات المتحدة من خلال مؤسسات مالية واقتصادية وثقافية وانتخابية, وهناك من يصف إسرائيل بأنها مجرد أداة من أدوات الإمبريالية. ويرجع السبب الأساسي في غموض هذه العلاقة القائمة بين إسرائيل إلى عدم انطباق مواصفات العلاقات المعروفة بين الدول على العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فإسرائيل ليست مستعمرة للغرب عموما أو الولايات المتحدة بصفة خاصة, ولا يمكن اعتبار إسرائيل مجرد موقع جغرافي مناسب مثل جبل طارق مثلا. كما أنها ليست حليفا للولايات المتحدة بالمفهوم الدقيق لكلمة "حليف" فمن الناحية الشكلية لا يوجد, حتى الآن, حلف رسمي ولا حتى معاهدة دفاع مشترك.

وعدم انطباق مثل هذه التعريفات على العلاقة التي تجمع إسرائيل مع الولايات المتحدة يلقي جوا من الغموض على هذه العلاقة خاصة إذا ما اكتفى الباحث بتقديم توصيف سريع للعلاقة دون الدخول في كيفية تصور الولايات المتحدة لإسرائيل وأبعاد هذا التصور والعلاقة بين هذه الأبعاد المختلفة. لذلك فإن الدراسة ستهتم بمعرفة الأبعاد المختلفة للتصور الأمريكي لإسرائيل. ونوع العلاقة بين هذه الأبعاد, وأثرها على التصور الأمريكي العام لإسرائيل. ثم مناقشة احتمالات تغير هذا التصور.

وعلى هذا النحو تعالج الدراسة الموضوعات الثلاثة التالية:

أولا- دولة إسرائيل في التصور الأمريكي.

ثانيا- الصورة القومية الأمريكية للشخصية الإسرائيلية.

ثالثا- الرؤية الأمريكية لإسرائيل بين الثبات والتغير.

أولا- التصور الأمريكي لدولة إسرائيل

من الضروري أن نتناول هذا التصور من ناحية النخبة الأمريكية صانعة القرار السياسي أو المشاركة في صنعه, ومن ناحية الرأي العام اعترافا بالدور الهام الذي يمارسه الرأي العام في صنع ذلك التصور, وللتعرف على مدى الانسجام والتوافق بين تصور النخبة وتصور الرأي العام, أي مدى أصالة هذا التصور.

1-تصور النخبة الأمريكية الحاكمة لإسرائيل

انتشر استخدام مفهوم النخبة أو الصفوة في الكتابات السوسيولوجية ابتداء من أواخر القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين, ودون الدخول في تفاصيل دراسة النخبة من الناحية النظرية, فإن ما يهمنا في هذه الدراسة إبراز ذلك الدور الذي يقوم به أولئك الأشخاص, الذين يمارسون دورا مميزا في صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة. وهؤلاء الاشخاص المسؤولون عن صنع و اتخاذ قرار السياسة الخارجية يمثلون حلقة الوصل بين المدخلات والمخرجات في تحليل هذه القرارات.

من هنا كان اهتمامنا بدراسة تصورات النخبة الأمريكية لإسرائيل, وهذه النخبة المسؤولة عن صناعة القرار للسياسة الخارجية الأمريكية تتكون طبقا لنصوص الدستور الأمريكي من طرفين رئيسيين هما:

أ‌- رئيس الجمهورية الذي يجسد في سلطاته واختصاصاته السلطة التنفيذية (وبالتالي تركز الدراسة على تصورات رؤساء الجمهورية في الولايات المتحدة ومساعديهم ومستشاريهم).

ب‌- أعضاء الكونجرس من شيوخ ونواب, بسبب الدور الذي يعطيه الدستور الأمريكي لهؤلاء في صنع السياسة الخارجية.

وعلى ضوء دراسة تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل, والموقف الأمريكي من الصراع العربي الإسرائيلي يمكن تحديد أربعة تصورات مميزة عن إسرائيل لدى أعضاء النخبة الأمريكية الحاكمة. ويهمنا أن نشير بداية إلى انه رغم تميز كل من هذه التصورات عن الأخرى, في معناها ومغزاها, إلا أنها في نطاق السياق العام للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل, أي في إطار السلوك الأمريكي تجاه إسرائيل, تخدم غرضا واحدا وتؤدي إلى نتيجة واحدة وهي المزيد من الترابط بين الدولتين. لأنه في نطاق التحليل الوظيفي لكل من هذه التصورات نجد أنها تخدم أولا وأخيرا إسرائيل, واعتناق أي منها من جانب أي من المسؤولين الأمريكيين يعني تأييدا ودعما من جانبه للسياسة الإسرائيلية. ولذلك قد نصادف في كثير من الأحيان تبني شخص واحد من هؤلاء المسؤولين لأكثر من تصور من مراحل متعددة من تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية إزاء إسرائيل. ومثل هذا الأمر, رغم ما يحمله من بعض الخلط, تأكيد على ما بين هذه التصورات من ترابط.

التصور الأول: إسرائيل تجسيد للدولة اليهودية المنشودة

ترجع جذور هذا التصور من الناحية التاريخية إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل, كما انه من الناحية الموضوعية يعكس التصورات التي لحقت بالرؤية الأمريكية لليهود, وهي تطورات بلا شك ايجابية بالنسبة لليهود عامة ولليهود الأمريكيين بشكل خاص, إذا ما قورنت بالنظرة الأمريكية لليهود في بداية هذا القرن. وهذه التطورات الايجابية في الرؤية الأمريكية لليهود, لا ترجع فقط إلى التعاطف الأمريكي إزاء الاضطهاد النازي لليهود, أو للنجاحات المتعددة التي أحرزها اليهود في الولايات المتحدة, ولكنها ترجع وبشكل رئيسي لذلك التشابه الكبير بين نشأة إسرائيل ونشأة الولايات المتحدة من ناحية الاعتماد على الاستعمار الاستيطاني لتكوين الدولة, ومن هنا كان الإعجاب الأمريكي الشديد بالجهود اليهودية من اجل قيام دولة إسرائيل, ومن ثم كان التأييد والدعم من جانب الولايات المتحدة لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين لإنجاح الأمل المنشود في قيام إسرائيل.

وهناك عديد من الدراسات عالجت هذا الموضوع, من اشهرها مؤلف "تشارلز هيربرت ستمبد" بعنوان "اليهود في العقل الأمريكي" والذي ابرز فيه المراحل المختلفة لتطور الرؤية الأمريكية لليهود وخاصة فيما يتعلق بموضوع "العداء للسامية" الذي يثير اهتماما خاصا لدى اليهود. وتعكس هذه التطورات في الرؤية الأمريكية لليهود, مدى التغير الشديد في تقييم الأمريكيين لليهود, الأمر الذي كان له دوره الفعال في اتجاههم إلى تبني أهداف الحركة الصهيونية, والعمل من اجل إنجاح هذه الأهداف, وفي مقدمتها قيام الدولة اليهودية التي أصبحت بفضل عديد من العوامل مطلبا أمريكيا بقدر ما كانت مطلبا يهوديا.

ومن اشهر المقولات تعبيرا عن الجانب السلبي في بداية الرؤية الأمريكية لليهود, الخطاب الذي ألقاه "بنيامين فرانكلين "احد أبطال الاستقلال الأمريكي عام 1789, وتقول بعض فقراته:"...أينما حل اليهود هبط المستوى الأخلاقي والشرف التجاري, فقد ظلوا دائما في عزلة لا يندمجون في أية امة, يدفعهم الشعور بأنهم مضطهدون إلى خنق الأمة اقتصاديا, كما حدث في أسبانيا و البرتغال... فإذا لم تقصهم الولايات المتحدة عن دستورها فسنراهم في اقل من مائة عام يقتحمون هذه البلاد لكي يسيطروا عليها ويدمروها ويغيروا نظام الحكم الذي سالت من اجله دماؤنا".

وفعلا, صدقت تنبؤات فرانكلين عن اليهود ودورهم في الحياة الأمريكية, وأصبحت الولايات المتحدة من أهم ميادين الحركة الصهيونية في العمل من اجل إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين, الذي سبق لها أن حصلت على وعد من بريطانيا, الدولة صاحبة الانتداب في فلسطين, عام 1917 فيما عرف بوعد بلفور. ففي 30 حزيران/يونيو 1922 نجحت الحركة الصهيونية في الحصول على قرار من الكونجرس الأمريكي يعد بمثابة وعد بلفور آخر ولكن بتدعيم أمريكي.

ومنذ ذلك التاريخ والولايات المتحدة حريصة على إنجاح المخططات الصهيونية من اجل الوطن القومي اليهودي في فلسطين, وفي مقدمتها فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية, وكان هناك شبه تنافس داخل الكونجرس بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري و الديمقراطي في تبني الأهداف الصهيونية. ويظهر هذا التنافس في الهجوم الشديد من جانب الحزب الجمهوري (27 حزيران/يونيو1944 )على الرئيس روزفلت واتهامه بالتقصير في تنفيذ وعد بلفور, على الرغم من كل التصريحات التي كان يعلنها روزفلت لتأييد الدعوة اليهودية بإنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين, ومنها تصريحه في (16 آذار/مارس 1944 ) بضرورة العمل الجاد من اجل فتح أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية, كما أصدر الحزب الديمقراطي قرارا في (24 تموز/يوليو 1944 ) يطالب بفتح أبواب فلسطين أما هجرة يهودية غير محددة ولاستعمار يهودي, واتخاذ سياسة من شانها أن تؤدي إلى إنشاء كومنولث يهودي ديمقراطي في فلسطين.

وتجددت فكرة"الكومنولث اليهودي" مرة أخرى في القرار الاجتماعي الذي أصدره الكونجرس في 19 كانون أول/ديسمبر 1945 الذي طالب بجعل أبواب فلسطين مفتوحة لدخول اليهود ولأقصى قدرة مستطاعة كي تكون هناك فرصة كاملة للاستعمار والتنمية, بحيث تكون لهم الحرية في استئناف بناء فلسطين كوطن قومي لليهود وجعلها كومنولث ديمقراطي.

وهذا الاعتقاد الأمريكي هو الذي جعل الرئيس "ترومان" يرفض 28 تشرين أول / اكتوبر1946 مطالبة الملك عبد العزيز آل سعود بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين, والعمل على استيعابهم في دول العالم الأخرى. ففي الرسالة التي رد بها الرئيس ترومان على رسالة الملك عبد العزيز آل سعود تبدو الأسباب الحقيقية التي دفعت الولايات المتحدة إلى تبني فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين, والايمان بضرورة قيام هذا الوطن, وهو ما انعكس بعد ذلك على بعض جوانب التصور الأمريكية لإسرائيل كدولة تجسد الأمل في نجاح الدولة اليهودية بما تمثله من تطلعات في العقلية الأمريكية.

ومن الجدير أن نشير إلى بعض فقرات هذه الرسالة لأنها تشرح كثيرا من جوانب التصور الأمريكي للدولة اليهودية, تقول:

"إن وضع اليهود المفجع, وخاصة من بقوا بعد اضطهاد النازيين في أوروبا يكون قضية ذات أهمية وتأثيرا لا يمكن لأناس ذوي نية وغرائز إنسانية أن يتجاهلوها. إن حكومة الولايات المتحدة وسكانها عاضدت مفهوم الوطن القومي اليهودي في فلسطين منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى التي اثمرت في تحرير الشرق الأدنى ومن ضمنه فلسطين وإقامة عدد من الدول المستقلة التي هي أعضاء في هيئة الأمم اليوم. والولايات المتحدة, التي ساهمت في الدفاع عن تحرير الشعوب اتخذت الموقف الذي لا تزال تلتزمه ألا وهو تهيئة هذه الشعوب للحكم الذاتي, ووجوب إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين, نظرا لا ن الوطن القومي اليهودي لم يكتمل بعد فمن الطبيعي أن تشجع دخول عدد هام من المشردين اليهودي في أوروبا إلى فلسطين لا يجدوا ملجأ بل ليتمكنوا أيضا من المساهمة بمواهبهم وجهودهم في سبيل تشييد الوطن القومي اليهودي.

وواضح أن هذه الرسالة تحمل من المغالطات التاريخية بقدر ما تحمل من تطلعات أمريكية, وهذه كلها مكونات أساسية لهذا الجانب من تصور الولايات المتحدة لإسرائيل, فليس هناك أي أساس قانوني يبيح انتهاك حرية دولة وغزوها بهجرة أجنبية ليس لها أي دخل فيها وبدعوى المسؤولية الدولية, كما أن الربط بين قيام عدد من الأقطار العربية بعد الحرب العالمية الأولى ( أي تقسيم الأمة وفق الإرادة الاستعمارية ) وبين قيام الدولة اليهودية, باعتبار أن هذه النتائج جميعا هو مغالطة تاريخية فجة. ودون الدخول في تفصيلات نقدية لهذه الرسالة يهمنا أساسا التركيز على جوانب هذا التصور الأمريكي للدولة اليهودية, فهي قائمة أصلا على تعاطف أمريكي مع الشعب اليهودي في ظل اضطهاد النازية, هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى تقوم على أساس الإيمان بالقدرات الخلاقة للشخصية اليهودية, وهو ما أكد عليه الرئيس ترومان في رسالته المشار إليها. وعلى هذا الأساس كانت إسرائيل, وعلى حد قول ناداف سفران (احد المفكرين اليهود الأمريكيين المشهورين ) تعتبر, من جانب العالم الغربي والمسيحي عامة والولايات المتحدة خاصة نوعا من التعويض لضحايا التعذيب الرهيب وكمأوى للاجئين, كما كانت أيضا تأييدا لأمال وطموحات القومية اليهودية في الإحياء القومي اليهودي.

ورغم ما يمكن أن يقال عن هذا التصور الأمريكي لإسرائيل بأنه يمثل فقط مرحلة تاريخية لم تعد ذات تأثير فعال في السياسة الخارجية الأمريكية, ومع اتفاقنا مع هذا الرأي, إلا انه ما زال مثارا من جانب الكثير من الزعامات الأمريكية, خاصة تلك التي تشكل العوامل الثقافية والفكرية جانبا هاما من نظام القيم الخاص بها والذي على أساسه تقوم اختياراتها السياسية.

ومن أمثلة هذه التصورات, الرؤية التي قدمها هارولد سوند رز في مجلس النواب الأمريكي لإسرائيل و قال فيها: "إن التزامنا لا رجعة فيه بأمن وقوة ورخاء إسرائيل, ولقد أعادت تأكيد هذا الالتزام كل حكومة أمريكية منذ قيام إسرائيل الحديثة قبل ثلاثين عاما, وهذا مظهر دائم من مظاهر السياسة الخارجية الأمريكية, وأستطيع أن أضيف بان هذا الأمر كان التزاما شخصيا عميقا من جانبي, ويشارك العديد من الأمريكيين في هذا الالتزام تجاه شعب قاسي بصورة تفوق ما يستطاع إدراكه, ويساهم فوق ذلك بالكثير في تراثنا وفي عالمنا, وفي هذا العقد توسع هذا الالتزام وقوي مع الزمن ومع التطور الثابت للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل"كما صرح بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي بان العرب يجب أن يفهموا أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات الأمريكية العربية, لان العلاقات الأمريكية الإسرائيلية علاقات حميمة مبنية على التراث التاريخي والروحي الذي يتعزز باستمرار بواسطة النشاط السياسي لليهود الأمريكيين بينما العلاقات الأمريكية العربية لا تحتوي أي عامل من هذه العوامل.

وتشير مثل هذه التصريحات إلى مفهوم اليهودية كتراث روحي و ثقافي تشكل عاملا أساسيا في تبني دعوة الدولة اليهودية التي تجسدها إسرائيل في العقلية الأمريكية. ولم يقتصر الأمر على هذا فقط بل إن شرط الاعتراف العربي بإسرائيل, كدولة يهودية, يعتبر احد الشروط الأساسية في فهم الرئيس كارتر لمفهوم السلام في الشرق الأوسط. وهو ما أعلنه في خطابه الذي ألقاه في قادة المنظمات اليهودية في نيوجرسي في حزيران/يونيو 1976.

التصور الثاني: إسرائيل أداة للمحافظة على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط

كثيرا ما يقال أن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل قائمة على أساس الدور الذي تقوم به إسرائيل في خدمة مصالح الولايات المتحدة بالشرق الأوسط, ولكن دون تحديد لماهية هذا الدور الذي تقوم به إسرائيل, ودون توضيح لمكانة إسرائيل ضمن الأدوات والوسائل الأخرى, التي تستخدمها الولايات المتحدة حفاظا على مصالحها بالمنطقة. إلا أن التصور الذي وصف به "ستيوارت سيمنجتون "إسرائيل كان أكثر تحديدا لهذا الدور فقد وصف سيمنجتون إسرائيل بأنها "حاملة الطائرات لا تغرق "وسيمنجتون هذا كان وزيرا لسلاح الطيران الأمريكي في الفترة 1947 _1950, ثم أصبح بعد ذلك من ابرز مجموعة الشيوخ ألاثني عشر التي تؤلف النواة الصلبة لدعم إسرائيل وتأييد قضياها في الكونجرس, ويساعده في أداء هذا الدور كونه رئيسا للجنة الفرعية لشؤون الشرق الأقصى الأدنى وجنوب شرق آسيا التابعة للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي. والوصف الذي استخدمه سيمنجتون يحدد الأفضلية المطلقة التي تحتلها إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة, فهي فقط ليست جزءا من نظام الدفاع الاستراتيجي لامن الولايات المتحدة, ولكنها جزء لا يمكن تصور إحداث أي ضرر به, ومن ثم يجب تحصينه وحمايته بكافة الوسائل والأساليب. وتزداد أهمية مثل هذا التصريح أن صاحبه أعلنه وقت أن كان مسئولا عن سلاح الطيران الأمريكي, ثم استخدم فعالية دوره في مجلس الشيوخ وقدراته المشهرة في تجنيد المجلس للدفاع عن إسرائيل و الاستجابة لكل مطالبها.

وعلى أية حال, فإن هذا التصور قد سيطر على أغلبية أعضاء الكونجرس منذ قيام دولة إسرائيل عندما تبنى معظم النواب الأمريكيين الرأي القائل بضرورة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأقطار العربية, ورفض أية رغبة لتوطينهم في إسرائيل, وعدم التفكير في إمكانية إحداث أي تغيير في دولة إسرائيل على أساس أنها موقع متقدم للدفاع عن المصالح الأمريكية في وجه الخطر الشيوعي في الشرق الأوسط, وكان كل من النائبين الجمهوريين "ولتر جود"و"وابن مورس" أكثر المرددين لمثل هذا القول.

وفي سنتي 1955, 1956 عندما زاد استقطاب الشرق الأوسط بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي, أصبح النواب الأمريكيون أكثر تأييدا لإسرائيل التي صاروا يصورونها "بالحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في الشرق الأوسط".وكان "أبراهام ملز"و"همانويل سيللر"من ابرز النواب المطالبين بمواصلة التأييد الأمريكي لإسرائيل, وكانا ينتقدان وزارة الخارجية الأمريكية"لساستها المؤيدة للعرب" من وجهة نظرهم, وعمانويل سيللر كان ديموقراطيا من نيويورك ورئيسا لمجلس النواب ورئيسا للجنة التشريعية فيه.

وبتطور الأحداث في الشرق الأوسط زادت أهمية إسرائيل। فقد أثبتت أحداث لبنان على سبيل المثال لكثير من النواب, وفي مقدمتهم "جاكوب جافيتش" النائب الجمهوري من ولاية نيويورك, أهمية إسرائيل الدقيقة بالنسبة للولايات المتحدة "كمرساة يمكن الاعتماد عليها من قبل العالم الحر في الأمور الاستراتيجية والعسكرية في الشرق الأوسط والبحر المتوسط". وطالب جافيتش الولايات المتحدة بان تتخذ المبادرة في تامين إيجاد حل للنزاع العربي-الإسرائيلي وذلك بإرغام الأقطار العربية على تحمل مسؤولياتها بالنسبة للاجئين, وان تزيد من المساعدة العسكرية لإسرائيل بصفتها حليف يمكن الاعتماد عليه. وكان"أبراهام ملز"من نيويورك قد سبقه في التأكيد على انه لا يمكن التفكير في إعادة توطين اللاجئين في إسرائيل.


http://www.najah.edu/index.php?news_id=5429&page=3171&l=ar